ملامح انتر كونتي

بالرغم من قصر الفترة التي قضاها أنتونيو كونتي في الإنتر إلا أن جِلد الأفاعي الجديد بدأ يتشكل، وبدأت ملامحه تظهر. كونتي من المدربين المعلمين في كرة القدم، مدرب يمتلك أسلوب خاص ومنهج خاص يقوم بتعليمه للاعبين، بحق وليس كلاماً إنشائياً سردياً. كونتي يعمل في الحصص التدريبية كمعلم، يهتم بالتفاصيل الفردية والجماعية، إذ تتميز فرق كونتي بالانضباط التكتيكي، فما تم عمله في التدريبات يُطبق في المباريات، وبالطبع ليس هذا الحال بالنسبة للكثير من المدربين.

تتسم كرة كونتي بالأتمتة، بالأنماط والألعاب المركبة، الألعاب الثلاثية والرباعية كذلك، تناقل الكرات بشكل سريع بين اللاعبين الذين يعرفون مواقع بعضهم البعض سلفاً، وذلك ما يبدو ناجعاً لدى فرق كونتي، المدرب السالينتينو يتمتع بقدرة كبيرة على تكييف لاعبيه على هذه الأنماط وتطويرها في ملعب التدريب، ذلك ما يجعل حتى اللاعب الأقل سرعة في قراءة اللعب ينمو وينصهر ضمن المجموعة، نتذكر مثلاً غراتسيانو بيلّي في منتخب إيطاليا وموزيس في تشيلسي من بين لاعبين آخرين.

كونتي ضحية للأحكام المسبقة وضحية موضة “نسبة الاستحواذ” التي لا تعني شيء سوى تناقل الكرة بين اللاعبين، غير أن الأهم هو البحث عن تطوير الهجمات بأسرع وقت ممكن والتقدم لثلث بعد ثلث بتفوق إمّا مركزي أو عددي وأحياناً نوعي وفقاً لجودة اللاعبين، يمتثل اللاعبون أقصى امتثال فيما يتعلق بالتمركز كأفراد ويتباعدون عن بعضهم البعض تباعداً مثالياً، ويتمركزون على ارتفاعات مختلفة، إذ يترتب على ذلك تمركز كلي قوي؛ أي هيكل قوي يساعد في ايجاد اللاعبين لبعضهم البعض بوضعية سانحة لتناقل الكرة لغاية بعيدة، ولكسر خطوط الخصم تباعاً والتقدم نحو مرمى الخصم كما تقدم، وذلك ما يسمى الأسلوب أو اللعب المركزي.

بناء اللعب

*غالباً يعني مفهوم بناء اللعب أن الكرة بحوزة الحارس أو المدافعين قبل تخطي خط الضغط الأول للفريق المدافع.

يشدد كونتي على بدء هجمات فرقه على الأرض بدءاً من الحارس –بالطبع- عند ركلات المرمى كما نرى في المثال التالي. وكما نرى أيضاً فالأنماط تبدو مطبقة كما رُسم لها، تفلح أحياناً وتفسُد أحياناً أخرى، لسبب فني؛ كلمسة سيئة، أو ببساطة بسبب الخصم.

النمط المستخدم عادة في بناء اللعب لدى كونتي –خصوصاً في ركلة المرمى- هو: تمريرة من الحارس لأحد قلوب الدفاع –الجانبيين غالباً- والذي بدوره سيمرر الكرة نحو الظهير، سيلي ذلك تمريرة من لمسة واحدة للعمق نحو المهاجميْن، واعتماداً على وضعية المهاجم يقوم المهاجم القريب من الكرة والذي قام بسحب مدافع رفقته بعمل ايماءة تاركاً الكرة تمضي نحو المهاجم الثاني، فيما سيقوم المهاجم الأول -بعد الإيماءة- بمهاجمة المساحة التي خلفها المدافع جراء اللحاق به تسمى هذه اللعبة لدى الطليان esca وتعني الإغراء أو الطعم.

يقف الفريق عند بناء اللعب على شكل سلسلة أو catene كما يسمونها الطليان، قلبا الدفاع الجنابيان يقفان على نفس الخط العرضي مع الحارس، ولاعبا الوسط سينسي وباريلا كما نرى أمام PSG على نفس الخط العمودي مع الظهيرين وبذلك تتشكل هذه السلسلة، فيما يقف القلب المتوسط “دي فراي” على حافة منطقة الجزاء مع المحور بروزوفيتش.

لدى تقدم الهجمة كما في اللقطة الأخيرة نرى تكرر دخول سينسي وباريلا إلى العمق وفيما بين خطوط الخصم، بالإضافةِ –لاحقاً في نفس اللقطة – لتوغلات باريلا التي تشابه توغلات جاكيريني أو فيدال مع كونتي فيما مضى. وكما هي العادة بالنسبة لكونتي فهو يستخدم هيكلاً عريضاً متمدداً عبر الظهيرين، في محاولة سحب ظهير الخصم واستغلال المساحة عبر لاعبي الوسط في المنطقة ما بين الظهير والقلب.

في مرحلة متقدمة من بناء اللعب، والكرة بين اقدام المدافعين

تتكرر السلسلة أحياناً في وسط الملعب مع نزوح أحد لاعبي الوسط الداخليين 8# إلى الطرف متيحاً الفرصة للظهير كي يتقدم ويقف على نفس الخط مع المهاجمين، ذلك ما قد يفيد الفريق في إيجاد ثغرات في عمق الملعب للوصول للمهاجمين عبر جذب الخصم نحو الأطراف، كما يسعى الفريق في فتح العمق عبر سحب خط الضغط الثاني للخصم (أي خط الوسط) للضغط على لاعبي الوسط الذي سيستدرجونهم في اقترابهم لحامل الكرة كما نرى في المثال التالي.

البحث عن العمق، البحث عن المهاجمين (استكمالاً للصورة السابقة)، نلحظ تقدم باريلا
مثال لمحاولة سحب أحد قلبي لوغانو عبر أحد المهاجمين، ومحاولة المهاجم الآخر استغلالها.
التمريرات الكاسرة من القلوب، بمعونة لاعبي الوسط مجدداً في سحب خط وسط المنافس.

تتمحور كرة كونتي حول المهاجمين، ومحاولة تغذيتهم بالكرات باستمرار، سواءً خلف ظهور المدافعين أو وبالخصوص في مشاركتهم في الألعاب المركبة وظهورهم خلف المدافعين. يوفر المهاجمان تحركاً مستمراً بنيّة سحب مدافعي الخصم، واستغلال المساحات التي ستظهر نتيجةً لذلك عبر توغلات لاعبي الوسط أو حتى عبر الظهيرين، وهما الآخران –الظهيران- يتمركزان بشكل متقدم وبعيد لفتح اللعب على مصراعيه كما ذكرنا.

لعبة مركبة شائعة لدى كونتي، عادة عمق طرف عمق، تمريرات سريعة مستغلين جمود الخصم في هذه اللحظة، كرة محجوبة ومن ثمَّ كرة مكشوفة وتمريرة مفاجئة خلف وبين خط ظهر الخصم.

وصولاً لهذه اللحظة؛ يلعب الإنتر بمحور أمام المدافعين ألا وهو بروزوفيتش ولاعبيْ وسط داخليين 8# باريلا وسينسي، واللذان يجنحان نحو الطرف باستمرار دوناً عن ذكر أدوارهما الأساسية في اللعب بين خطوط الخصم، بالإضافة إلى توغلاتهما كما أسلفنا، بالتحديد باريلا إذ أن خصائص اللاعب القادم من كالياري الرياضية/البدنية athletical/physical تمكنه من تقديم هذا الدور المركب، وعموماً فالمجهود البدني مطلب أساسي لدى كونتي من لاعبي الوسط الداخليين بالإضافة لجودتهم الفنية والتكتيكية، ولا أعتقد عموماً أن كونتي سيكتفي بباريلا يجري عمودياً خلف ظهر الدفاعات، فمثلاً جاكيريني كان يلعب دوراً مماثلاً لباريلا من حيث التموقع إلا أن الأخير يبدو محدوداً على مستوى قراءة اللعب وعلى مستوى اللمسة الفنية. سينسي هو الآخر يتحلى بتلك الصفات البدنية المحببة عند لكونتي في مركز #8، بالإضافة لمزاياه كمراوغ جيد وممرر بارع وتكتيكياً في حسه وإدراكه المكاني، يمتلك -كما يبدو- سينسي دوراً متقدماً أكثر من باريلا بالرغم من قلة توغلاته نسبياً –لحد اللحظة- إلا أنه علاوة على سقوطه المتكرر بين القلب والظهير لاستلام الكرة، فهو يتقدم بين الفينة والأخرى لمركز 10 هدفه أمام لوغانو مثال على ذلك.

سينسي بين خطوط لوغانو

دفاعياً

قبل الحديث عن تمركز اللاعبين يجب أن نتحدث عن نظام كونتي الدفاعي، ونظام كونتي ثابت لا يغيره أبداً، إذ يعتمد على قوة المدافعين في الالتحامات ومبادرتهم على الاستباق إلى الكرة، ومنعهم مُستقبِل الكرة من الدوران كذلك. المهاجم هو النقطة المرجعية لحركة المدافع حيث لا يبقى المدافع بالضرورة على نفس الخط مع بقية زملائه إذ يتوجب عليه ملاحقة الخصم/المهاجم المباشر وكسر خط الدفاع ومحاولة الاستباق للكرة باندفاع وشراسة، وذلك ما نلحظه في اللقطة التالية.

عادة عندما يستخدم كونتي 3-5-2 فإن فرقه تتحول عندما يتملّك الخصم الكرة إلى 5-3-2، المهاجمان قريبان من محور الخصم، يتناوبان في الضغط على قلوب دفاع المنافس مع إبقاء المراقبة على المحور. لاعبي الوسط معنيّين بإغلاق العمق –كأولوية- خصوصاً في ثلث الفريق الدفاعي، أما في الثلث الأوسط وفي الضغط العالي فيتجه لاعبي الوسط للمراقبة رجل لرجل، الظهيرين معنيّان بالطبع بمراقبة الأجنحة وهذا لا يمنع قفزهم بالضغط على ظهيري الخصم، يتبع القلب الجانبي الظهير القريب منه فيراقب الجناح خلفه. وعلى أي حال، إن عملية الضغط تتوقف على شكل الخصم وبالضرورة عندما يكون الفريق يطبق دفاع رجل لرجل أو نظام مراقبة موجّه للرجل، أو أسْمِه ما شئت.

2-3-5 إلى تحول ظرفي لـ 5-5-0 ضد PSG
تشكل ظرفي إلى 5-2-3 مع مراقبة بروزوفيتش لبيانيتش، والمهاجمان بتمركز بعيد.

في الإنتر يطبق كونتي شكلاً دفاعياً جديداً، إذ لا وجود للمهاجمين لتشكيل خط ضغط أول بل ينتقل المهاجمان نوعاً ما إلى الأطراف وبذلك يتشكل لنا شكل قريب من 5-5-0 في الثلث الأوسط أو 5-2-3-0 أو حتى 5-4-1 مع تقدم سينسي (أو أي لاعب وسط، قياساً على أن عملية الضغط تبادلية بتبادل الرقابة) على محور الخصم، بينما يضغط الظهيران على الجناحين.

5-2-3 في الضغط العالي بتقدم سينسي على نفس الخط مع المهاجميْن. بروزوفيتش كذلك يترك موقعه لملاحقة رابيو، الظهيران أمام الظهيران.

يقوم المهاجمان بتقويس حركتهما عند الضغط العالي وذلك بغية سد مسار التمريرات نحو قلبي الدفاع إن كانت الكرة بحوزة الحارس ومن ثم يقومان بالضغط على الحارس، الأمر ذاته يُطبق عند الضغط على قلبي الدفاع كما نرى في المثال الأخير.

عند هبوط اللإنتر للثلث الأخير يبقى المهاجمان على الأجناب نوعاً ما، حيث يتم استغلال المساحات المتروكة بالنسبة لأظهرة الخصم. وكما نرى في اللقطة السابقة، باستوني يستبق اللعب ويقطع الكرة وعلى يديه تبدأ المرتدة.

سكرينيار وتمريرة كاسرة نحو الهدف في الهجمات المرتدة، بيريشيتش.

لم أرَ فرق كونتي بهذه الشدة في عملية الضغط العالي على العموم، يبدو أن كونتي أضاف عنصراً جديداً لأسلوبه، وعلى كلٍّ فحتى الضغط المضاد؛ أي الضغط عند خسارة الكرة والتحول للدفاع، فإن الانتر أبدى شراسة في هذه المباريات التحضيرية والأمر هنا أيضاً مستحدث لدى كونتي.

نلحظ تقدم باستوني عند التحول للدفاع وملاحقته للاعبه؛ أي لاعبُه من الخصم.

لطالما أثبت كونتي جدارته كمدرب، فهو قادر على استخراج الأفضل لدى لاعبيه، وسرعة نقله لأفكاره إلى لاعبيه نقف لها احتراماً. صاحب الـ49 عاماً مدرب متطلب ليس فقط فيما يتعلق بمطالبته للاعبيه بذل المزيد والمزيد ولكنه أيضاً عملي، أي أنه يبحث عن تشييد أسلوبه الخاص ويبحث عن منح فرقه هوية مميزة. إننا لا نعلم مالقادم في السوق وهل ستُحدِث الصفقات أي تغيير على ما رأيناه في الأيام السابقة؟ يبقى الإنتر مرشحاً جنباً إلى جنب مع اليوفي قياساً على أمور عديدة لعل أبرزها وصول أنتونيو كونتي.

الكاتب: @salh91ftbl

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: