يولي كثير من المدربين للمكون البدني بالغ عناية واهتمام، ربما أحياناً بشكلٍ مبالغٍ فيه، إلا أن العنصر البدني لا يعدو كونه عنصراً مثله مثل بقية العناصر (التكتيكية والفنية والذهنية). وعلى أي حال فلن نتمكن من إعداد اللاعبين ليتمكنوا من الأداء بأعلى كفاءة إلا ضمن إطار بدني/رياضي سليم وممنهج، أي في السيطرة على الأحمال التدريبية (المجموع والتكرر والشدة) وليس بالضرورة عبر التدريب البدني المحض (التقليدي)، اللاعقلاني في كثير من الأحيان. وبصرف النظر عن المنهجية المستخدمة فالغاية النهائية هي رفع المعدل اللياقي للاعبين لضمان استقرار أداء اللاعبين طول الموسم الرياضي، وتكييفهم بشكل ملائم بغية تلافي الإصابات العضلية.
كرة القدم لعبة، كالشطرنج أو الغولف، أكثر من كونها رياضة، ولكنها تتضمن جري/عدو، ومهارات حركية ضرورية بالإضافة لتفاعلات بيوكيمائية جراء النشاط/الجهد المبذول لتغطية المساحات، لتوفير نفسك كخيار تمرير.. الخ، ولذلك –شئنا أم أبينا- فهي تخضع للحقل الفيزيولوجي (علم دراسة وظائف الأعضاء) وبالطبع تتداخل مع عمليات التمثيل الغذائي (أو الأيض) الهوائي واللاهوائي من الناحية البيوكيميائية (الكيمياء الحيوية).
قبل أي شيء فكرة القدم من الناحية الرياضية تُعد رياضةً متقطعة interval ويعني ذلك أن المجهود متقطع ما بين وقوف ومشي وهرولة وجري بسرعة متوسطة أو سرعة عالية وعدو سريع sprint، بالإضافة للأفعال المتفجرة، من بينها أيضاً العدو السريع وكذلك القفز والإلتحامات البدنية، والانزلاق والتسديد، تغيير الاتجاه والمقاومة، إلى غير ذلك، حيث يتمكن اللاعب من الاسترجاع ما بين هذه التصرفات والأفعال.
إن أهم ما يجب تكييف اللاعبين عليه بدنياً هو عمليات الطاقة اللاهوائية Anaerobic والتي تنطوي عليها القوة الانفجارية explosive power حيث يستمر اللاعب بتأدية هذه الحركات الانفجارية طوال المباراة وبالطبع بشكل متقطع، ولذلك فالتفاعل البيوكيميائي اللاهوائي هو الطاغي في اللعبة، يتم إنتاج الطاقة في التمثيل اللاهوائي عبر استهلاك الجلوكوز. إن النشاطات اللاهوائية عادة قصيرة إذ تتراوح ما بين دقيقة إلى ثلاث دقائق، كما أن هناك نظامَ تمثيلٍ غذائيٍ لاهوائي آخر وهو نظام أعلى شدة –إلى 30 ثانية- يتم فيه استهلاك مخزون ثلاثي فوسفات الادنوسين المحدود والمعروف بـ ATP وفوسفات كرياتين CP، ويسمى هذا النظام بالنظام الفوسفاجيني (ATP-CP). نجني عبر تمارين القوة “الخاصة” أي الخاصة بعضلات لاعب الكرة الرئيسية، أو كما تسمى “تمارين الحماية من الإصابات” عدة فوائد كزيادة الكتلة العضلية، وتطوير قوة العظام والمفاصل والأوتار.
ومن ثم سيتم تطوير التحمل endurance والذي يتم عبر التمثيل الهوائي للطاقة Aerobic بوجود الأوكسجين الذي يُستهلك في إنتاج الطاقة، وتحسين قدرة الجهاز التنفسي على التحمل، وكذلك في تطوير VO2 max (أقصى استهلاك أوكسجين). تعتبر الأنشطة الهوائية أقل شدة من النظام اللاهوائي، ولعل أبرز الرياضات الهوائية هي رياضة المشي والجري بدرجات معتدلة الشدة، إلا أن الجري المتواصل يساعد في تنمية القدرات اللاهوائية أين يُجهد الإنسان عندما يجري لمسافات طويلة.
كما يجب تطوير عناصر اللياقة البدنية الأخرى المرتبطة بالجهاز الحركي (جزء من الجهاز العصبي المسؤول عن الحركة) فيما يتعلق بعملية الإعداد والتكييف الرياضيين عموماً، بالإمكان أن نعرّف المهارات الحركية على أنها أداء حركات معقدة ومتناسقة مكتسبة من خلال التمارين والممارسة. وعلاوة على القوة والسرعة، فالثبات الوسطي، والتوافق والمرونة والرشاقة والتوازن كلها مهارات حركية ينبغي توافرها لدى اللاعب.
وعند تحليل أو رصد لاعب عند الكشافة، من المهم أن نضع الخصائص البدنية والرياضية للاعب الكرة بعين الاعتبار، غير أننا لا يجب أن نبالغ في تقييم اللاعبين بدنياً، فاللاعب قابل للتطور بدنياً (على مستوى الكتلة العضلية، والتحمل والمرونة… الخ) ولكن قد يكون من الصعب تطويره تكتيكياً وذهنياً وخصوصاً الأخيرة مع تقدم السن. كما أن تباين قدرات اللاعبين في هذه النواحي طبيعي، إماّ لأسباب استعدادية أو أسباب جينية (تتعلق بالبقعة الجغرافية)، إذ يتميز الأفارقة مثلاً بقوة التحمل، ويتميز الجرمان (ألمانيا، النمسا، الدنمرك الخ) بالبنية الجسدية، الإسبان بالخفة والرشاقة، وطبعاً تتشارك بقع جغرافية بنفس هذه الصفات أو تحمل عدة صفات معاً ولا نحصر البلدان السالفة الذكر بخصلة واحدة، أو بقالب بدني واحد. كان هذا مقالاً مختصراً فيما يتعلق بالمكون البدني، ولعلنا نفصل في المنهجيات التدريبية وفي كل عنصر من عناصر التكييف البدني من منظور كروي لاحقاً إن شاء الله.
الكاتب: @salh91ftbl
اترك تعليقًا