عندما نتحدث عن الجانب الذهني، تذهب مخيلة كثير منا إلى الجانب النفسي، وقد يذهب آخرون إلى الجانب الإدراكي/المعرفي. ولا ريبة أن الجانبين كلاهما مرتبط بالدماغ، فالذهنية –شأنها شأن باقي عناصر اللعبة- قادرة على التأثير سلباً وإيجاباً على اللاعب والفريق، فبلا هدوء واستقرار نفسي قد لا يتمكن اللاعب من الأداء بشكل جيد، على أن على المدربين تكييف اللاعبين وتهيئتهم للضغوطات وتمكينهم من اللعب تحت أي ظرف قدر المستطاع. كما أننا بلا درجة معتدلة من الإيجابية والدفع والتحفيز الذاتي لن نأمن التراخي، بل واللامبالاة أحياناً من بعض اللاعبين.
إن بعض اللاعبين مدفوعون ذاتياً، وأقوياء ذهنياً، في حين أن هنالك لاعبين يعتازون دعماً وتحفيزاً خارجياً، إن كان عبر المدرب، أو حتى عبر الإدارة كالحوافز المادية، فالمحترفون ليسوا –بالضرورة- بحاجة لتحفيز كما يشير كارلو أنتشيلوتي فكل الحاجيات والتسهيلات مقدمة لهم، بيد أن اللاعبين يختلفون فهناك من يجد أن دوافعه مادية وآخرون لديهم دوافع ذاتية دون البحث عن أي مردود. يدخل التعامل والاتصال مع اللاعبين ضمن سياقنا أيضاً، في الاقناع، في التعليم، وفي التعامل أيضاً فلا يجب التعامل مع اللاعبين بنفس الكيفية فنفسياتهم وتربيتهم وحتى البيئة والثقافة التي قدِموا منها تختلف، وعليه سيختلف تقدرينا للاعبين وتعاملنا معهم، وبالرغم من أهمية الجانب النفسي إلا أن المبحث في الجانب التعليمي/الادراكي وتأثيره على السلوك يعد أكثر أهمية “عملياً”.
إن كرة القدم لعبة متطلبة ذهنياً، حيث يُبقي اللاعب بصره وبصيرته يقظة طوال المباراة، يستَرق النظر، يلتفت يمنة ويسرة، يحاول توقع الأحداث، يفكر، يقرر فينفذ، وبلا شك تتباين قدرات اللاعبين على معالجة المعلومات واتخاذ قرار سريع بناءً على ذلك، إذ أن هناك لاعبون أذكياء وهناك من هم أكثر ذكاءً أو كذلك من هم أقل، هذا لا يعني التسليم بالأمر والخضوع له، فبالإمكان تنمية المهارات الإدراكية لدى اللاعب؛ في التفكير والاستنتاج والتذكر وفي الحدس والتوقع وقراءة اللعب.
إن من أكثر الطرق التي تنمي اللاعبين معرفياً وإدراكياً هي وضعهم في ظروف صعبة، تتطلب سرعة في اتخاذ القرارات كاللعب في مساحات ضيقة ومضغوطة، كتمارين الروندو والمباريات المصغرة والمباريات المركزية، تمارين رد الفعل، تمارين توافق عصبي-عضلي أكثر صعوبة؛ أي دمج حركتين في وقت واحد وغيرها كثير من التمارين الذهنية في مبحث علم الأعصاب Neuroscience سنتطرق إليها لاحقاً في مواضع أخرى… شاهد الفيديو الأخير.
ولأن كرة القدم متطلبة ذهنياً فهي تحتاج تركيزاً عالياً، فالواقع أن الإجهاد الذهني لا يقل عن الإجهاد البدني، فاللاعب المرهق بدنياً لن يكون حاضراً ذهنياً ما سيؤثر على قراراته تكتيكياً وفنياً، والأمر سيان بالنسبة للحالة الذهنية فاللاعب المُجهد ذهنياً قد لا يستطيع التوائم مع أطوار اللعب وخصوصاً على المستوى التكتيكي بل وحتى أبسط الأمور الفنية؛ كتمريرة قصيرة للزميل. الإجهاد الذهني قد يصيب اللاعب لأسبابٍ عديدة، كضعف اللياقة، أو قلة الخبرة أو مشاكل شخصية، إلا أن هناك عوامل أخرى قد تؤثر على اللاعب، كقلة النوم، سوء التغذية أو أسباب غير فيزيولوجية كالتواصل الاجتماعي، ألعاب الفيديو، أو حتى لطول الموسم.
لقد تحدثنا باقتضاب فيما يتعلق بمكونات كرة القدم، كل عنصر ومكون بشكل منفصل غير أن هذه العناصر كلها تتفاعل سوياً فالمكون الذهني مرتبط بالتكتيكي ارتباطا وثيقاً، كما هو مرتبطٌ أيضاً بالعنصر الفني، وبالضرورة بالبدني. ففي ثانيتين سنفكر ونرصد ذهنياً، وسنقرر ونقوم بسلوكيات محددة/عامة تكتيكياً، كما سننفذ بطريقة معينة لإتمام الأمر فنياً، وسنَجري أيضاً خلال الكثير من الوضعيات وذلك ضمن المكون البدني، ولك أن تتصور أن كل مكونات كرة القدم يمكن ن تتجلى في تمرين واحد “روندو”.
الكاتب: @salh91ftbl
اترك تعليقًا