ربما من حق مانويل بيليقريني إظهار شعوره بالإحباط من كثرة المخالفات التي ارتكبها لاعبو مانشستر سيتي أمام فريقه، لكن عليه أن يكون محبطًا أكثر من الطريقة التي لعب بها، وكمية الأخطاء الغريبة التي شاهدناها، والتي جعلت مانشستر سيتي يحظى بمباراة سهلةٍ نسبيًّا، وتنتهي بنتيجة كبيرة مثل 5-0، خاصَّةً وأن الفريق قام بصيف جيِّد.
بالنظر لإحصائية المخالفات المرتكبة بالمباراة، سنجد أن لاعبي مانشستر سيتي قاموا بـ13 مخالفة بينما لاعبو ويست هام قاموا بـ6 فقط، ولو أخذنا الإحصائية من البداية وحتى الدقيقة 60، فإنها ستكون 8 لمانشستر سيتي و 1 فقط لويست هام.
صحيحٌ أن كثرة هذه المخالفات تستفزُّ الخصم، لكن هل الوصف الذي أطلقه عليها بعض الصحفيين، وبيليقريني نفسه، بأنها “مخالفات تكتيكية”، صحيح؟ لا أعتقد ذلك. طبعًا المخالفات التكتيكية، كما يعرف الجميع، تستخدم لإعاقة الخصم من إكمال هجمةٍ خطرة، تكون بالعادة هجمةً مرتدة، لعدم قدرة الفريق المدافع على حماية مرماه بشكل جيد. قد يكون هناك اتفاق أو اختلاف حول هذا التعريف، لكن يمكننا الإتفاق على أن المخالفات التكتيكية، بالعادة، تصحبها نيّة إعاقة الفريق المهاجم عن إكمال هجمته الخطرة، وبيليقريني كان صريحًا ودقيقًا في هذا الحديث بقوله (في كل مرة حاولنا فيها الوصول لمنطقتهم، يرتكبون المخالفات، وبمراجعة المباراة ستجد بأن هذا هو سبب عدم صناعتنا للكثير من الفرص، حيث أن لعباتنا الهجومية تنتهي بكرة ثابتة لنا)، هل هذا ما حدث في المباراة؟ من الجيّد أن نلقي نظرة.

هذه الصورة توضّح أماكن المخالفات الـ13 التي ارتكبها لاعبو مانشستر سيتي، ونستيطع ملاحظة أن 7 مخالفات كانت في ملعب ويست هام، وأن تقريبًا 3 مخالفات فقط من الـ13 كانوا في الثلث الدفاعي لمانشستر سيتي. هذا يعطي انطباعًا بأن الكلام الذي ذكره بيليقريني وبعض الصحفيين صحيح، لكن لو أخذنا نظرةً على هذه المخالفات، سنكتشف أن الأمر مختلفٌ بعض الشيء.






مثلًا، خلال المباراة قام رحيم ستيرلينق وقابرييل خيسوس بارتكاب 6 مخالفات فيما بينهما (3 لكل واحد). من هذه الـ6، هناك مخالفتان أثناء حالات هجوميّةٍ لمانشستر سيتي (الصورة الأولى بالدقيقة 6:59 والصورة الرابعة بالدقيقة 35:01)، مما يعني بأن ويست هام لم يكن أساسًا قريبًا من الوصول لمرمى السيتي. وإذا استبعدنا المخالفة بالصورة الأخيرة (الدقيقة 92:09) لكونها حدثت بوقتٍ متأخِّرٍ جدًّا، كانت فيه المباراة قد حسمت، وليس لها أي أثر على عطاء ويست هام -وبالواقع، تحدّث بيليقريني بشكل محدد حول أن هذه المخالفات حدثت كانت بالشوط الأول- وبالتالي لا حاجة للحديث عنها، لكنها ستفيدنا في إيضاح نقطة مهمَّةٍ سأتطرّق لها.
لنكمل مع بقية المخالفات التي حدثت في الشوط الأول.




ما تمثّله هذه الصور واللقطات (وبعض اللقطات من المجموعة الأولى، والتي سأوضّحها) هي أبرز مشكلة على بيليقريني معالجتها للمُضِيِّ بفريقه للأمام: لم يكن الفريق مُهَيَّأً بشكل جيِّد من الأساس للوصول لمناطق مانشستر سيتي وتهديده وصناعة الفرص الخطرة. كانت هناك العديد من المشاكل، أثناء بناء اللعب وأثناء التحولات وأثناء الضغط على مانشستر سيتي عندما يبني الهجمة.
لنأخذ مثلًا الصورة الأولى من المجموعة الثانية (الدقيقة 25:43) ونرى الحدث كاملًا.
ما تمثّله هذه الصور واللقطات (وبعض اللقطات من المجموعة الأولى، والتي سأوضّحها) هي أبرز مشكلة على بيليقريني معالجتها للمُضِيِّ بفريقه للأمام: لم يكن الفريق مُهَيَّأً بشكل جيِّد من الأساس للوصول لمناطق مانشستر سيتي وتهديده وصناعة الفرص الخطرة. كانت هناك العديد من المشاكل، أثناء بناء اللعب وأثناء التحولات وأثناء الضغط على مانشستر سيتي عندما يبني الهجمة.

في هذه اللقطة، الكرة مع ديوب، والوضع كالتالي:
– رحيم ستيرلينق يقيّم المنطقة من حوله ويرى بأنه بحاجة للتراجع ليراقب الظهير الأيمن فريديريكس (هذا ما سيظهر في اللقطة القادمة).
– زينتشينكو جاهزٌ لاستقبال فيليبي أندرسون عندما يصل لمنطقته.
– دافيد سيلفا قريبٌ من لانزيني، لكنه لا يضغط عليه بشكل قويّ ليتيحه كخيار تمرير ممكن لديوب (حامل الكرة) ومن ثم يضغط عليه مباشرة (سيظهر في اللقطة القادمة).
– الثلاثي محرز، دي بروين ورودري يقفون متقاربين من بعضهم البعض بشكل يمنع تمرير الكرة من العمق (تحديدًا باتجاه ويلشير).
– وإلى جانب مشاركته مع الثنائي، فإن محرز يمنع تمرير الكرة نحو أنتونيو بتغطية مسار التمريرة (وسيتراجع باللقطة القادمة).
– والكر قريبٌ من كريسويل.
– لابورتي يراقب هالير.
– ستونز، لاعب الدفاع الحرّ، جاهزٌ للتقدم في حال وصلت الكرة نحو أنتونيو قبل عودة محرز، أو لتغطية العمق في حال اخترقت الكرة ثلاثي الوسط.
إذًا، لاعبو مانشستر سيتي يقفون بشكل ممتاز في هذه الحالة.

تقريبًا، تم إغلاق كل شيءٍ أمام لانزيني بفضل تماسك لاعبي السيتي من أمامه (الثلاثي محرز، دي بروين ورودري) وضغط دافيد سيلفا عليه لحظة استلامه الكرة وكذلك تراجع قابرييل خيسوس لمنع التمرير نحو ديوب. كما أن فرصة نقل الكرة للأطراف (سواءً في اليمين: أندرسون – فريديريكس، أو اليسار: أنتونيو – كريسويل) إما غير ممكنة أو ستجعل مانشستر سيتي بوضع أفضل.
طبعًا ارتكب دي بروين المخالفة وحصل لانزيني على كرة ثابتة. في موقفٍ كهذا، يجب أن يغضب قوارديولا من لاعبيه لا أن يبدي بيليقريني امتعاضه من النتيجة التي آلت إليها اللُّعْبة بفضل التحرك والتمركز السيء من لاعبيه.
لنأخذ موقفًا آخر: اللقطة الثانية من المجموعة الأولى (الدقيقة 13:08)، بدأت اللعبة كالتالي:






بدأت الهجمة لويست هام والكرة مع فيليبي أندرسون على الطرف الأيمن، ومن الملاحظ أن لاعبي مانشستر سيتي يقفون بشكل جيد لحماية مناطقهم:
– رحيم يضغط على أندرسون.
– زينتشينكو مع رودري يحميان منطقة ما بين العمق والطرف ويمنعان التمرير.
– دي بروين يعود للخلف لمساندة رودري (وكان دوره مهمًّا في هذه المباراة بدون كرة، حيث كثيرًا ما لعب بجانب الإسباني كمكمِّلٍ لثنائي الارتكاز).
بعد نجاح رحيم في استخلاص الكرة، أصبح وسط ويست هام مكشوفًا تمامًا بسبب عدم عودة اللاعبين الهجوميين (تقريبًا أندرسون، أنتونيو، لانزيني وهالير في ملعب مانشستر سيتي)، وبمجرد استخلاصها انطلق رحيم للأمام في الجهة اليسرى (حيث هو ودافيد سيلفا يشكّلان ثنائيًّا هناك، مع انضمام زينتشينكو لهما في حالات الاستحواذ الهجومي)، وكذلك دي بروين في الجهة اليمنى.
ومن الملحوظ أن ويلشير تكفّل برقابة سيلفا بينما رايس يتمركز بالمنطقة التي يتوقّع وصول دي بروين لها، وكان هذا النمط مستمرًّا تقريبًا طيلة المباراة (ويلشير >> سيلفا، رايس >> دي بروين)، لكن الإشكالية الحقيقية هي أنهما تقريبًا كانا معزولين عن بقية لاعبي الوسط (لانزيني، أندرسون وأنتونيو).
لم يلتزم ثلاثي الوسط الهجومي بشكل جيِّد للقيام بواجباتهم الدفاعية: فيما بينهم قاموا بافتكاك وحيد ناجح فقط !! عبر لانزيني، وكان بملعب مانشستر سيتي، بينما مجموع المحاولات هو 5، منها واحدٌ فقط بملعب فريقهم، وهو ما يوحي بأنهم لم يبذلوا الجهد المطلوب في الواجبات الدفاعية.
أما بالمقارنة مع لاعبي مانشستر سيتي، فسنجد التالي:
محرز: 4 افتكاكات ناجحة من 4 محاولات (3 منها بملعب فريقه).
سيلفا: افتكاك ناجح من 3 محاولات (محاولتين بملعب فريقه).
دي بروين: 4 افتكاكات ناجحة من 4 محاولات (محاولتين بملعب فريقه).
هذا الفارق الكبير، في الالتزام بالمهام الدفاعية بين لاعبي السيتي و ويست هام، يفسّر الكثير مما حدث داخل أرضية الملعب. فعدم تراجع لاعبي الوسط الهجومي لويست هام يعني بأن لاعبي مانشستر سيتي سيواجهون فقط خط الدفاع + ثنائي الارتكاز، وإذا ما رأينا بأن ثنائي الارتكاز (رايس + ويلشير) ركّزا بشكل كبير على دي بروين ودافيد سيلفا، فإن النتيجة هي أن إحداث الثغرات في دفاع ويست هام لا يصبح مهمّةً صعبة أو أمرًا معقّدًا، وفي الواقع كان قوارديولا قد جهّز فريقه بشكل جيد لهذه المهمة.

نستطيع أن نلحظ التالي في تركيبة مانشستر سيتي:
– دي بروين أكثر حذرًا وأقل حرية في تقدمه للأمام مقارنةً بدافيد سيلفا (وعمومًا، كانت الجهة اليسرى هي الأكثر حضورًا هجوميًّا بواقع 42% من هجمات السيتي في المباراة، واليمنى الأقل بـ28%)، فالإسباني يتقدم كما يريد بالجهة اليسرى (تحديدًا، بين الطرف والعمق) حيث أن رحيم ستيرلينق كان كثيرًا ما يتمركز بجانب خيسوس وكأنه مهاجمٌ ثانٍ، مما يفسح المجال لسيلفا بالتحرك هناك (وفي لقطات أخرى كان يحدث العكس، حيث يتمركز سيلفا بجانب خيسوس ويتحرك رحيم للطرف).
– تحرك سيلفا يأتي خلف ويلشير والذي خاض مباراةً صعبة جدًّا في اللحاق بالإسباني ومراقبته باستمرار، حيث أن سيلفا من أذكى اللاعبين في العالم بالتمركز والتحرك بين الطرف والعمق وتبادل الكرة مع زملائه بسرعة في مناطق ضيقة وصعبة، وفي ظل عدم دعم لاعبي الوسط الهجومي، كان الأمر متعبًا جدًّا لللاعب الإنقليزي.
– رودري، كما هو متوقّعٌ منه، يقترب ليوفر خيار تمرير لزينتشينكو، ويلاحظ أن لانزيني لا يلاحقه بشكل جيد، وكانت هذه الإشكالية أحد أبرز نقاط ضعف أصحاب الأرض، فقد حاولوا أو أظهروا باستمرار أنهم يستهدفون رودري، لكن الضغط العالي الذي قاموا به كان سيّئًا جدًّا، فمن ناحية، فقط لانزيني وهالير ضغطوا باستمرار في أغلب المباراة، مما كان يعني بأن لاعبي السيتي يستطيعون وبسهولة نقل الكرة بينهم والتحرك بعيدًا عنهم، ومن ناحية أخرى، كان رودري يجد سهولةً كبيرةً في الخروج من الضغط وتوفير خيار تمرير لزملائه، كل هذا جعل من محاولات ويست هام خجولة ويائسة وغير فعالة.
– يتمركز رياض محرز في أقصى الجهة اليمنى، ولا يدخل للعمق (بمعنى، أن الفريق عندما يتحرك في اليسار فمن المتوقع أن يتحرك لاعب الطرف الأيمن باتجاه العمق أكثر ليوفر الدعم هناك)، كل هذا ليعزله لاعبو السيتي في الطرف لوحده أمام الظهير الأيسر (كريسويل) ويصبح بحالة 1ضد1، ومن هناك يملك عدة خيارات (إما أن يلعبها لوالكر المنطلق من خلفه، كما حدث في الهدف الأول، أو لدي بروين الذي ينطلق في المساحة بين قلب الدفاع والظهير، أو أن يستغل مهارته في الاختراق). عدم تراجع لاعبي ويست هام ساعده في ذلك، كما أن تمركز رحيم وخيسوس جعل ثباته في الطرف أمرًا طبيعيًّا للفريق (إذ أن هناك حضورًا واضحًا وقويًّا في العمق من البرازيلي).
هذا الشكل تكرر كثيرًا في لعبات مانشستر سيتي الهجومية، مع بعض التديلات بتقدم زينتشينكو في اليسار أو والكر في اليمين، أو تبادل سيلفا ورحيم مراكزهما، أو اقتراب دي بروين من محرز، لكن لم يكن الأمر صعبًا جدًّا على لاعبي السيتي بفضل عدم التزام لاعبي ويست هام بواجباتهم الدفاعية كما ينبغي.
ولم تكن القوة الهجومية الفائدة الوحيدة من شكل مانشستر سيتي الجيد لحظة استحواذهم على الكرة، بل إن الفريق كان أكثر استقرارًا دفاعيًّا عند خسارته الكرة، فبفضل اقتراب رودري ودي بروين، مع تراجع محرز وسيلفا تحديدًا، يصبح الضغط على حامل الكرة أكثر سهولة وفعاليَّةً -كما حدث في الهدف الثاني-، إذ أن الفريق محافظٌ على تماسكه بشكل كبير.
ما سهّل هذه المهمة هو أن ابتعاد لاعبي الوسط الهجومي (لويست هام) عن ثنائي الارتكاز (رايس و ويلشير) كانت له نتيجة واحدة: صعوبة إيصال الكرة للأمام لحظة لحصول الثنائي عليها. لهذا، كان استخلاصها ممكنًا وكذلك خلق حالات صعبة حتى للاعبي الوسط الهجومي عند قيامهم بلعبة مرتدة (لأنهم بالغالب معزولون عن بعضهم البعض وعن بقية زملائهم)، كما حدث في عديد المواقف واللعبات الموجودة بالأعلى، والتي ارتكبت فيها المخالفات (مثلًا، الصورة الثالثة من المجموعة الأولى بالدقيقة 34:35، وكل الصور بالمجموعة الثانية).
أخطر لعبة لويست هام بالمباراة جاءت بعد أن كان هناك تقاربٌ جيّد بين اللاعبين ونجحوا في التحرك خلف لاعبي مانشستر سيتي في المساحات، بعيدًا عن الرقابة المفروضة عليهم، فمرر الكرة ديوب لكريسويل (المتمركز خلف محرز في منطقة ما بين العمق والطرف، وليس في الطرف)، ومنه للانزيني الذي انطلق ومررها لتشيتشاريتو (والمتمركز كذلك بجانب رودري) ومنه لفورنالس في الطرف. لكن هذا لم يحدث كثيرًا.
بالنهاية، نتيجة المباراة تعكس الفارق الكبير بين الطرفين داخل الملعب، بكرة وبدونها، وصحيحٌ أن لاعبي مانشستر سيتي ارتكبوا 13 مخالفة، لكن النقطة التي أثارها بيليقريني ليست واقعيّةً أبدًا، فأسباب عدم قدرة فريقه على تشكيل الخطر لا تعود لهذه المخالفات، ولكن تعود للتنظيم السيء داخل الملعب. ما يزال هناك فرصةٌ كبيرةٌ للتحسن بالطبع، وهذا المنتظر من فريقه الذي يملك إمكانيات جيدة جدًّا.
الكاتب: @_Ahmed90_
اترك تعليقًا