المساحة… ماهي؟

هناك عدة طرق لاستلام الكرة وفقاً لكل حالة ولحظة، إن خلق المساحات ومهاجمة المساحة، وفتح وتوفير مسارات التمرير –وهن ما سنتطرق إليهن في مقالنا هذا- تتشابك فيما بينها وتتداخل شأنها شأن العديد من المبادئ الأخرى في هذه اللعبة الجميلة. وكذلك تتشابك مع مبادئ أخرى جرى المرور عليهن فيما سبق، كالانتشار “فردياً”؛ والتي تعني اتخاذ تمركز جيد قصد تطوير الهجمة (خلق مسارات تمرير)، أو في (مهاجمة المساحة) فيما يتعلق بالهروب من الرقابة.

 لكن ماذا تعني المساحة في كرة القدم؟ هل هي مجرد مكان فارغ؟ أم هل هي مكان يشغله لاعب متحرر من الرقابة؟ هذا ما سيقودنا إلى أن نميز ما بين المساحة والفراغ، فاللاعب الذي يتحرك في وإلى مساحةٍ قد تفيد في تقدم ونمو هجمة فريقنا هي ما يمكن إعتبارها مساحة، والمساحة في كرة القدم يمكن تعريفها على أنها: مكان خالي تم شغله وتبوئه عبر لاعب بغية تقدم الهجمة. مثلاً عندما نمرر لأحد اللاعبين بين الخطوط ويكون قادراً على الدوران نحو مرمى الخصم فسنقترب بذلك من مرمى الخصم بوضعية سانحة لخلق فرصة تسجيل. أما الفراغات فلا تعتبر مساحات، ببساطة لأنه لم يشغلها أحد، وعندما نرى فراغاً كبيراً ما بين الخطوط فينتقد أحدهم لماذا هنالك مساحات بين الخطوط (دفاعياً)؟ فأقول، هذا يجانب الصواب لأن المسافات ما بين الخطوط أو الفراغات “الغير مشغولة” لا تعد مساحات.

لسنا بحاجة للجري لفتح مسار تمرير أحياناً، بل بإمكاننا الاكتفاء بتمركز مثالي وصحيح كإينييستا.

*ملاحظة: أي لاعب يتحرك نحو مساحةٍ ما أو يتبوأ مساحةً ما هو –في الوقت ذاته- يفتح مسار تمرير وهذا بديهي وجلي، غير أن هناك تفصيلةً أو جزئية صغيرة بالغة الأهمية، فكرة القدم ليست عبارة عن حركة وجري فقط وإنما بمقدورنا أن نفتح مسار تمرير بلا حركة أحياناً أو بتعديل جسدي بسيط أحياناً أخرى كما في اللقطة السابقة.

لم يتخذ سابونارا 5# إلا خطوة بسيطة لتوفير نفسه كخيار تمرير.
هذه أيضاً إحدى الحالات التي ذكرناها ألا وهي الإستلام في المساحة بأفضلية تكتيكية كالاستلام بين الخطوط وبالطبع شريطة الدوران ومواجهة الملعب.
تشافي يمرر لإينييستا ويقوم بالحركة على الجانب المحجوب بالنسبة للمدافع.
إنسينيي وهامشيك ثنائية ضد 1، تسمى نوعية التمريرات هذه wall pass تأتي عادة شكل هات وخذ أو one-two.

المثالين الأخيرين هما للحركة نحو المساحة ومهاجمة المساحة؛ واستلام الكرة خلف مدافعي الخصم، أو خلف أي لاعب عموماً، استغلالاً انعدام الرؤية بالنسبة للمدافع أو أحيانا جمود وسكون المدافع أو اهماله تعديل وضعية جسده وعدم إدراكه لمحيطه في سبيل التغطية وقطع خطوط التمرير، أو التأخر أحياناً في قراءة اللعب.

في اللقطة الأخيرة نوعان من التمريرات القصيرة، الأولى هو تمرير الكرة أمام الظهير، إذ سيضطر الظهير مواجهة ظهير الخصم 1 ضد 1 والتمريرة بذلك لن تضفي أفضلية تكتيكية. أما الحل الثاني هو مماطلة حامل الكرة وانتظاره انبثاق مسار تمريرة بينية وبذلك لن يضطر الظهير مواجهة ظهير الخصم وسنكسر الظهير بتمريرة لا بمراوغة. إن النوع الأول -أي التمرير أمام الظهير- قد يُحدث تفوقاً أحياناً وفقاً لتمركز الخصم فلو افتضرنا أن الظهير -بنفس اللقطة السابقة- اتخذ موقعاً أقرب للكرة فالتمريرة القطرية ستمكّن الظهير من القيام بعرضية مبكرة أو التوغل للداخل وسيكون الظهير متأخراً.

كما أن هناك مساحاتٍ أقل فعالية، كالاستلام في المساحة ولكن بلا أفضلية، كاستلام اللاعب المتحرر من الرقابة أو المضايقة ولكن بلا أي أفضلية كالتمرير للحارس أو أحياناً الظهير جراء تغيير اللعب أو أي لاعب سيضطر للمراوغة –كما ذكرنا في أحد الأمثلة- أو القيام بتمريرات كاسرة لتحقيق الأفضلية المنشودة.

تغيير لعب نوعي ومفيد.

خلق المساحات بالكرة

دوران دي يونغ يكشف الملعب بالكامل.

كما أن هنالك حالات يستلم فيها اللاعبُ الكرةَ وهو بالفعل مراقب أو في المساحات الضيقة وتتِم مضايقته كاستلام اللاعب وظهره لمرمى الخصم، وكالمهاجم الملاحق من مدافع الخصم، أو المحور المراقب من مهاجم الخصم كأمثلة لا للحصر، هنا أتحدث عن خلق المساحة عبر المراوغة ومقاومة الضغط وكسره، وبالطبع لا يمكن كسر الخطوط في كرة القدم إلا بكيفيتين الأولى عبر التمرير وإقصاء أكبر عدد ممكن من لاعبي الخصم، أو عبر المراوغة حال الاضطرار إلى ذلك، وبخاصة لدى استلام الكرة في المساحات الضيقة.

كما لا يمكننا خلق وفتح المساحات إلا عبر تمركزٍ صحيح (وتعديل وضعية الجسد وفقاً لمسار الكرة المحتمل) أو عبر الحركة سواءً بالكرة (عبر المراوغة) أو بدون كرة (توفير مسار تمرير وشغل المساحات). إن خلق المساحات وخيارات أو خطوط التمرير تُستخدم بحثاً عن الفعالية أمام أنظمة دفاع المنطقة خصوصاً، أين لا يسعى مطبقو هذا النظام فرض رقابة لصيقة ضد الخصوم، إذ يكون اللاعبون متحررون ولكن بمساحات مغلقة وضئيلة بالقرب من الكرة، كما يمكن للاعبين استغلال المسافة التي يتركها مطبقو هذا النظام فيما بين الخطوط ولو كانت ضيقة، واستغلال فقدان اللاعبين للرؤية أحياناً أو سوء التمركز أو الوضعية الجسدية أحياناً أخرى. وفي وقتنا الحاضر أضحى استلام اللاعبين للكرات بأريحية أمراً صعباً، فإما أن يستقبل الكرة تحت ضغط، أو تحت رقابة، والحالات المذكورة في هذا المقال أو في المقال السابق “التحرر من الرقابة” لا تمثل إلا جزءاً من أحداث مباراة كرة قدم، وأفضل الفرق –بلاعبيها- هي من تتمكن من القيام بهذه الأمور أكثر من بقية الفرق ما يمكنها من التفوق والتميز، وما أقصده هنا العلاقة الثنائية بين الممرر والمستلم، فيما سيكون مقالنا القادم متعلق بخلق المساحات باضطلاع عددٍ أكبر من اللاعبين، دون إغفال أن حتى العلاقة الثنائية تتضمن زملاء آخرين يشاركون بشكل غير مباشر أحياناً، وبإمكاننا العودة إلى لقطة تغيير اللعب وملاحظة طلب إينييستا للكرة في العمق ما أدى لسحب الظهير الأيمن للريال وبالتالي تتسع المساحة ويتسع الوقت للاعب في الجهة المقابلة، وسنمر بذلك لاحقاً.

الكاتب:  @salh91ftbl

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: