يعرّف الإيقاع في الموسيقي على أنه دقات أو ضربات موزونة وموقتة بدقة، والإنحراف ولو لأجزاء من الثانية يعتبر نشازاً ولن تستسيغه الأذن. الإيقاع في كرة القدم ليس كالإيقاع في الموسيقي، إلا أننا في كرة القدم نحتاج إلى ضبط التوقيت، وضبطه يعني، مثلاً، إيصال الكرة إلى الزميل بالوقت المناسب والمكان المناسب، دون الاستعجال أو التأخير، وبالتالي فالإيقاع لا يعني بالضرورة “اللعب السريع” وإنما في استباق الخصم في محاولة قراءة اللعب وكذلك في الحركة والتمرير بالوقت والمكان المناسبين، حتى دفاعياً في الضغط في الوقت المناسب، في توقيت التدخل أو التقاط الكرة.
الإيقاع أو الرتم -كلاهما يشير إلى نفس المعنى- شأنها شأن الكثير من المفاهيم وحتى المبادئ، يستخدم هذا المفهوم بشكل هلامي، بلا تعريفٍ محدد وواضح. إذ من المؤكد أن سرعة الإيقاع لا تعني سرعة اللاعبين، فسرعة الإيقاع مرتبطة بالدرجة الأولى بسرعة اتخاذ القرارات، بتناقل الكرة بين الزملاء، متعلقة بجريان الكرة وليس السيقان كما يقول كرويف. فالانطلاق بسرعة نحو مرمى الخصم بلا أي أفضلية ودون مطالعةٍ للملعب وما يتبدّى من مساحات أو في توافر الزملاء عددياً، أو حتى في معرفة الخصم ليست إلا عشوائية “مهما أنتجت”. وأما الفرق التي تبحث عن السرعة في الوصول إلى مرمى الخصم حتى ولو بشكل عشوائي، كاللعب بالكرات الطويلة بلا غايات، أو التمرير للاعب بمركز متقدم معزول ومغلوب عددياً، فذلك لن يمنحنا بناء هجمات بأدنى حدٍ من المتانة، ومجدداً مهما أنتجت لأنه وإن أنتجت فالفضل للاعب وارتجاله غالباً وليس بفضل اللعب الجماعي ولا قوة تنمية الهجمة.
سنركز في هذا المقال على الإيقاع هجومياً، إذ بإمكان الفريق فرض إيقاعه ضمن شروط معينة، أبرزها قراءة اللعب، ما يسفر عطفاً على ذلك قرارات سريعة أو صحيحة بأسرع وقت أو بأدق وقت. إن قراءة اللعب مهارة إدراكية/ذهنية لا يمكن تمييزها وقياسها “بدقة” كما المهارات الفيزيائية/المادية كالسرعة أو المراوغة أو دقة التمرير… الخ، كل اللاعبين يفكرون ولكن كيف يفكرون وكم من الوقت يستغرقون في استنتاجاتهم هي الفيصل. قراءة اللعب تعني محاولة التكهن بتسلسل اللعب عبر جمع أكبر معلومات ممكنة وعليه نستطيع اتخاذ أفضل قرار، كما تعني وضع احتمالية اضطلاعي باللعب لاحقاً والتهيأ لذلك بالطبع عبر استراق النظرات حول ما يحيط بي من مساحات أو من لاعبي الخصم واتخاذ موقع سانح لاستلام الكرة بوضع مريح، أو حتى في خداعهم والتخلص من رقابتهم…الخ. أو حتى في ملاحظة الزملاء، إذ سيكون خيار التمرير المستقبلي للزميل ذو الوضعية الأفضل “تكتيكياً” لتطور الهجمة، أو حتى كمهاجم في التوغل مثلاً في المساحة خلف الدفاع عندما يكون الزميل قادراً على القيام بالتمريرة الأخيرة وإلى غير ذلك من الوضعيات.

التوجيه الجسدي قبيل استلام الكرة دينامية يمكن اعتبارها شرطاً رئيسياً في ضبط أو حتى رفع نسق وإيقاع اللعب، وهي مترتبة على حسن التوقع وقراءة اللعب. إذ نرى إينيستا يقوم بتعديل وضعيته الجسدية والقيام بـ”استلام موجه” كما يطلق عليه الإسبان control orientado.

نقطة أخرى في لقطة ديلف وهي في صلب موضوعنا ألا وهي التنبؤ والتوقع إذ نرى ديلف بعد اقتراحه هو نفسه بتمرير الكرة نحو سيلفا سيقوم بتوجيه جسده كلياً نحو مرمى الخصم قياساً على مكان الكرة، وسيوفر نفسه لسيلفا كخيار تمرير، نرى بوضوح ارتفاع الرتم، وهذه نتيجة طبيعية لفرق بيب والتي تولي أهمية قصوى لهذه التفاصيل.
في اللقطات السابقة استخدمنا أمثلة لوضعيات فيها يتخذ الممرر عن المستلم تموقعاً قطرياً أو عرضياً، بالتالي ستكون الوضعية الجسدية الأمثل للمستلم هي فتح الجسد بشكل عرضي عين على الزميل وعين على مرمى الخصم. في حين عندما يكون موقع اللاعب على نفس خط طول الممرر فالوضعية الجسدية ستكون بمواجته -أي مواجهة الممرر- وإعطاء مرمى الخصم ظهره كما سيفعل ميسي في اللقطة فوق.
دي يونغ يقوم باستدراج خصمه مستهدفاً المساحة التي سيخلفها، التأخير والمماطلة في اللعب ليس بالضرورة أمراً سلبياً، إذ أن الوقوف على الكرة والتروي عندما لا تكون هنالك فرصة لتمرير الكرة لخيار تقدمي أمراً محبذاً أحياناً، فالأرجنتينيين يدربون صغارهم على التحكم بالكرة والوقوف عليها أو كما يسمونها la pausa.
بعد المراوغة يرتفع النسق والرتم تلقائياً، حتى إذا ما واجه حامل الكرة خصماً جديداً بعد اقصاءه الأول لتوه سيضطر أن يجاري الإيقاع الذي رفعه بنفسه ومراوغة لاعبٍ آخر أو حتى تمرير الكرة بسرعة يمكننا ملاحظة ميسي يقوم بذلك مراراً. أما إذا كشف الملعب فسيرتفع النسق كما ذكرنا.
فهذا هو الإيقاع وهذه هي الهيمنة على المساحة والوقت.
اترك تعليقًا