لقد تصدينا في المقالات السابقة لعددٍ من المبادئ والمفاهيم التكتيكية الفردية العامة؛ أي لكل فرد بصرف النظر عن المركز والموقع أو الدور. في هذا المقال سنخصص الحديث عن مركز قلب الدفاع وما يترتب على هذا المركز من وظائف وأدوار وفقاً لخصائص وإمكانات اللاعب. لقد تطرقنا فيما سبق لبعضٍ من المهارات الخاصة بالمدافعين، مثل المراقبة والاستباق، وكما ذكرت بعض المبادئ العامة لأي لاعبٍ على الرقعة الخضراء.
في البدء سنتحدث عن قلب الدفاع في الحالة الهجومية، ‘يصعب’ في الحقيقة تطويع قلب الدفاع ليتخذ أدوار متعددة، وإنما قد تقتصر المهام الموكلة إليه ضمن نطاق محدود، ذلك لأن القلوب هم الستار والغطاء لطبقات الفريق وخطوطه. ولا شك أن لكل قاعدة شواذ، يتبادر إلى ذهننا إنطلاقات بيكينباور وقد تكون بالنهاية قرارات عرَضية وقليلة الحدوث، أو أن يلعب لاعبٌ ما بمركزين لكل حالة، ففي الحالة الهجومية يكون محوراً وفي الحالة الدفاعية يكون قلباً (فيرناندينيو مع بيب ضد أرسنال فبراير الماضي) أو العكس (إيمري تشان مع أليغري ضد أتليتكو)، أو أن يكون ظهيراً عند الدفاع وقلباً حالة الهجوم (كبارزاليه مع أليغري)، وإلى غير ذلك مما سنحاول التعرض إليه.
التمركز والتباعد والتوجيه الجسدي
قد تتمركز بمكانٍ صحيح ولكن بوضعية جسدية سيئة، أو قد تتخذ وضعية جسدية صحيحة غير أن مكانك خاطئ، هذا اعتراض خوانما لييّو على تسمية أسلوبه –وهو أسلوب بيب، وكرويف من قلبهما- باللعب المركزي/التمركزي juego de posicion، إنها أزمة مصطلح. مهما يكن من أمر فانسيابية اللعب ستتكسر طالما أن هذه التفاصيل مهملة، ولعمري إن لم تكن هذه هي التكتيكات فما هي إذاً؟ القوالب الجامدة 4-3-3 أو 3-5-2؟ … والمقام هنا على الفرق التي تفضّل تدرج اللعب وتعتمد على قلوب الدفاع كبُناة لَعِب.
من حيث التمركز فالقلب سيغوص في العمق أكثر مع اقتراب خط الضغط الأول للخصم؛ أي المهاجمين. ومن ناحية الهيئة الجسدية فسيكون جسمه للأمام (نحو مرمى الخصم) مع ميلٍ نحو حامل الكرة مفسحاً المجال لنفسه الاستلام بوضعية مريحة (أنظر أبيدال في اللقطة الأخيرة).
أو ربما الفرق الغير مدربة بشكل جيد، أو لأي أسباب أخرى، كسبب استراتيجي حفاظاً على نتيجة مرغوبة وما إلى ذلك.
فيما ينزل القلبين الآخرين عند عودة الكرة للحارس، أو أحياناُ لفتح مسار تمرير للقشاش تبعاً لتواجد الخصم.
حامل الكرة على عمق الملعب هو المتسيد لتلك اللحظة طالما أتقن توجيهه الجسدي وامتلك قدراً من الإحساس بالكرة، فالرأس مرفوع برؤية بانورامية شاملة للملعب، هنا بإمكان المدافع التلاعب بخصمه الضاغط، إذ قد يقرر تمرير الكرة إلى لاعب معين بوضعية أفضل لتقدم الكرة “خيار أمامي”، إلا أنه بحاجة لتحريك ذلك الخصم لينبثق له مسار تمرير، ولن يتم ذلك إلا عبر استخدام جسده؛ أي عبر الميل إلى جهة المحور وكأنه سيمرر له ولكنه سيمررها للداخل كما في اللقطة التالية د19:25. أو حتى باستخدام عينيه لاستدراج الخصم كما يشير بيكيه: “حين استلم الكرة، أحاول استدراج الخصم لتقديم تمريرة مفيدة، أبحث عن 2 ضد 1، مثلاً، عندما أرى تشافي مراقباً، أحدق في اللاعب الذي يراقبه وبهذا سيحاول الخصم إما القدوم نحوي أو البقاء مع تشافي. وعادةً ما يتقدم نحوي فأمررها إلى تشافي، عندها يستطيع تشافي الدوران والتقدم للخط التالي.”
ستحيلنا هذه اللقطة إلى مفهوم آخر مهم ألا وهو المدافع المراوغ dribbling CB، بالطبع هو هنا لا يراوغ بالمواجهة وإنما بتخطي المهاجم (والخط الأول للضغط) والتقدم بالكرة عبر القنوات. وعبر التوغل بالكرة في المساحة يتسنى للمدافع استدراج أحد لاعبي وسط الخصم للضغط من منطقة عميقة، إذ سيكون بذلك متأخراً ما سيتيح للقلب استهداف أحد اللاعبين فيما بين الخطوط، سواءً عبر تمريرةٍ مباشرةٍ منه أو عبر الرجل الثاني فيكون اللاعب فيما بين الخطوط لاعباً ثالثاً. أما إذا لم يعارض القلب المتقدم بالكرة خصماً فيستطيع المدافع تحريك خصمه وإيجاد أحد زملائه خلفه ونقل الهجمة لمرحلة متقدمة.
بالطبع يسبق ذلك سدهم لخطوط التمرير خلفهم عبر تغطيتهم لظهورهم، ومن ثمَّ توقيت الضغط.
في اللقطة الأخيرة نرى كذلك سلوك أوتاميندي في الدخول وتبوء موقع في العمق مع تقدم ستونز بالكرة، وهذه أيضاً ستحيلنا إلى نقطة مهمة تكتيكياً، فهو بذلك يتخذ موقعاً يضفي توازناً حال فقدان فريقه للكرة، إذ أن كل سلوك هجومي يتضمن سلوكاً دفاعياً بالنسبة للمدافع.
قال لي كرويف ذات مرة: أولُ ما تقوم به إذا امتلكت الكرة هو أن تنظر لأبعد/أعمق نقطة ممكنة، مرّر نحو روماريو، أو لاودروب، نحو العمق، وإن لم تكُن هنالك مساحة فمرّر هنا -بالقرب منك- ولكن إذا كان بمقدورك أن تلعب للعمق فأفعل.
بيب غوارديولا
أنظر للصورة كاملة بتفاصيلها، فتمريرة قريبة أبلغ من تمريرة بعيدة قد لا تفيد كالكرات الطويلة التي قد يخسرها الفريق أحياناً،
أو أن تكون ظروف المستلم ليست مواتية: تحرر، نقص عددي، تمركز..الخ.
ذكرنا عدة أمثلة للاعبين امتلكوا أدواراً مزدوجة كبارزالييه وبعض الحالات الطارئة كفيرناندينيو وتشان. هنا نرى قلب دفاع شتوتغارت #4 مارك أولي ڤ ر كيمف، يمتلك حرية التنقل بين خط الظهر وخط الوسط وحتى في التوغل عبر الأطراف وخلف دفاعات الخصم. أي توظيف هكذا ينطوي عليه تحركات تعويضية/تبادلية لشغل وتبوء مساحة ما، وبالطبع فنرى الأظهرة تدخل لتعويض خروج إذ يلعب الفريق للحظة بقلبين ثم بثلاثة، لا مركزية في أبهى صورها لمدرب لو على شأنه قد تكون ثورة اللامركزية الحقيقية على يده: تيم ڤالتر.
قلب الدفاع دفاعياً
في كرة القدم هناك نظامان رئيسيان تتفرع منه وتتشعب أنظمة أخرى، وهما: دفاع المنطقة والمراقبة رجل لرجل. أما الفرق بينهما –أي النظامين- فيتجلى في النقاط المرجعية، ففي نظام الرجل لرجل هناك أولوية لمراقبة الرجل المقابل، ومن ثم مكان المرمى والكرة وأخيراً مكان الزميل. أما في المنطقة فمكان الكرة أولاً ومن ثم المرمى فالزميل وأخيراً الخصم/الرجل. هذه النقاط -لكل نظام على حدة- هي من ستحدد تمركز قلب الدفاع. وعلى العموم فهنالك مبادئ مشتركة للتمركز الصحيح في جميع الأنظمة، مع وضع خصوصية كل نظام بالاعتبار. دون ذكر كيفية تأويل هذه الأنظمة لكل مدرب وبلد وثقافة، فدفاع المنطقة له عدة أشكال، وكذلك دفاع الرجل لرجل، دون نسيان النظام الهجين؛ أين تمتزج مبادئ دفاع المنطقة مع دفاع الرجل لرجل وتتبدل النقاط المرجية حيث: مكان الخصم والكرة لهما ذات الأهمية.
سنحاول في هذا المقال أن نتحدث عن قلب الدفاع الشامل؛ أي من يتخذ قرارات من عند نفسه بصرف النظر عن النظام فمهما بلغ الفريق من تنظيم فهنالك طوارئ ومشاكل تتطلب مبادراتٍ ذاتية/شخصية، وبالطبع سنتحدث عن المبادئ العامة التي يتّبعها “كل” فريق كرة قدم. والمدافع الشامل كذلك هو غير المقيد بنظام (رجل لرجل أو دفاع منطقة)، إذ أن هنالك الكثير من الفرق اليوم تفضل أنظمة متوازنة في الضغط والدفاع، والنظام الهجين أحد أشكالها، وهناك من يفضل نظاماً شاملاً؛ أين يُعتمد فيه على غريزة المدافع وقراءته للعب لاتخاذ اللازم من القرارات، فهو سيقدّر ما إذا كان عليه ملاحقة المهاجم أو المبادرة لاستخلاص الكرة استباقياً أو عبر الافتكاك بالمواجهة أو الإنزلاق، أو تمركزه داخل منطقة الجزاء، أو التراجع والتقدم وفقاً لمكان الكرة، ناهيك عن الحالات الطارئة والحرجة 1 ضد 1 أو ضد 2.
مهما كان النظام المتبّع في الفريق، ثمة مبادئ ينبغي اتباعها لقلب الدفاع:
- ضع المرمى دائماً كنقطة مرجعية أساسية؛ واجه خصمك أو لاحقه، أو غطِّ زميلك ولكن وجّه جسدك وفقاً لمكان المرمى.
- راقب اللاعب أو غطِّ مساحةً/لاعباً ما دون التداخل مع الزملاء؛ تدرج دفاعي وتعاون.
- في التفوق العددي بادر وافتكّ الكرة أو ضيق على الخصم، في النقص أو التكافؤ العددي تراجع أو ضيق وفقاً لوضعية حامل الكرة وقربه من المرمى.
- تقدم مع عودة الكرة للخلف –أي نحو مرمى الخصم- وضيق بمعية الزملاء مساحة اللعب واترك المهاجم متسللاً، ابقَ دائماً ملتزماً بالخط الأخير.
- أبقِ عينيك على المهاجم علاوة على الكرة، استرق النظرات خلفك داخل المنطقة بغض النظر عن توجيهك الجسدي. ضع باعتبارك زاوية الحارس إذ من الأجدى تركها للحارس وتغطية أي عرضية متأخرة محتملة.
بمجرد ما إن انكشفت الكرة استبق المدافع المهاجم للكرة، التصق به أولاً (مكان المرمى) ثم افتك الكرة لدى قرائته للعب. يُذكر أن سامبدوريا كان يطبق دفاع المنطقة مع ديل نيري، أي أن المهاجم لا يراقب المدافع إلا إذا كان خياراً حقيقياً للتمرير، كما يتعين على المدافع ضبط التوقيت لئلا يفقد الكرة والمهاجم سوياً.
*كرة مكشوفة أي يمكن لعبها للأمام.
إن المبادرة وافتكاك الكرة عبر الإستباق تصرف محبذ في نظام رجل لرجل، وهي خاصية يتميز بها مدافع عن آخر (أنظر كاناڤارو مثلاً) أو إذا ما أراد مدرب ما تطبيق هذا النوع من الرقابة. يجب أن توضع هذه الخصلة بعين الاعتبار لدى الكشافين.
في الحالة 1 ضد 1 –بالنسبة لقلب الدفاع- سيختلف التصرف وفقاً للمعطيات التالية: مكان الكرة؛ مكان حامل الكرة أو النقطة المحتملة لوصول الكرة (ثنائية صِرفة هوائية كانت أو أرضية). مدى أريحية حامل الكرة، ومن هو حاملها، وما إذا كان القلب المعني مغطىً أم لا.
الأفضل عندما تكون الكرة بعيدة عن المرمى، والمهاجم له مطلق السيطرة على الكرة هو الانسحاب للخلف، ذلك يبدو تصرفاً حكيماً عندما يكون المدافع غير مغطى، وقطعاً مع إبقاء البصر على الكرة. وكلما اقتربت الكرة للمرمى كلما ازدادت الحاجة للتدخل والمبادرة ودوماً بوضعية جسدية مرنة تتيح للمدافع الدوران والبقاء في اللعبة.
حالة 1 ضد 1 مختلفة (صراع ثنائي)، قراءة ممتازة من المدافع، فَفور انكشاف الكرة قرر المدافع العودة ومحاولة التغطية لئلاّ تمر الكرة خلفه نحو ستيرلينغ، ومهما كان خصمك سريعاً فتوقيت انطلاقتك وتوجيهك الجسدي أهم من السرعة، إذ استطاع المدافع انقاذ الموقف بعد التقاطه للكرة قبل ستيرلينغ، فقدها فوراً ولكنه ضيق وحاول منعه من الدوران، وما إن التف فقد الكرة. هنالك العديد من الحالات التي تستدعي الدراسة إلا أنه يصعب حصرها، والأهم هو بقاء النقاط المرجيعة التي ستحدد قرار المدافع لكل حالة.
حالة 2ضد3 تليها 1ضد2، ما يهمنا الحالة الأولى وهي التي أدت للنقص العددي وعزل المدافع الأخير أمام المهاجميْن. بالطبع الأمر ليس بالبساطة التي نتصورها فالوضع داخل الملعب مختلف لعدة أسباب، غير أن الخطأ خطأ ومن هنا يبدأ التصحيح وتقليل اقتراف الأخطاء التي يمكن تلافيها. هنا حاول بروما مجابهة حامل الكرة على الدائرة، بدلاً من الانسحاب للخلف وربما مواجهة فيرنر.
حالات مختلفة
قلب الدفاع زاغو قد أخذ خطوة للأمام بدلاً من الخلف.
يختلف تعامل قلب الدفاع بالقرب من المرمى وعند العرضيات المتأخرة أو المبكرة، فكما أسلفنا ينبغي وضع الحارس وزاويته بالحسبان وذلك مقترن بمكان المهاجمين داخل المنطقة بمعية حامل الكرة، نشاهد في اللقطة الأخيرة سويونجو بوضعية جانبية نصفه إلى المرمى ونصفه إلى المهاجم (كذلك القلب الآخر والظهير)، يختلف التصرف أحياناً فنجد أن بعض المدافعين يميلون بأجسادهم نحو المهاجم، اختلاف تأويل وتقدير، وأحياناً وفقاً للمدرب.
ربما تكون مشكلة تواصل، فلا يمكن للمدافع فتح جهة المرمى بهذا المكان، وبتواجد زملاء يغطونه.
اترك تعليقًا