تستطيع أن ترى أنه يمتلك لمسة أولى جيدة، رؤية جيدة كذلك، لذا فلن يقع في فخ سرعة اللعب، وهذا هو الجيد فيه، إذ تستطيع أن تضعه في أي مستوى وسيتكيف […] ليس بالقوي –جسدياً- كفاية لكنه يستطيع مدارات ذلك، لأنه يصعب قبضه، إنه يمتلك هذه الرؤية.لقد كانت لدي خطة لتدريبه منذ أن كان في الخامسة من عمره، فدربته على الرؤية والتكنيك دائماً بالكرة. أن ترى شيء ولكن أن تفهم وتقوم بردة فعل شيء آخر.
اللاعب السابق والمدرب هانز إيريك والد مارتن.
كان أساسياً في فريقه سترومسغوديست، بل وتم اصطفاءه للمنتخب الأول فقط بسن الخمسة عشر عاماً، مارتين أوديغارد كما عنونت josimar.no هو حصيلة تراكمية، وساعات وساعات من التدريب، ففور خروجه من المدرسة يهرع لركل الكرة، وحيداً إن اضطر إلى ذلك. رأى والد مارتن أن ابنه يمتلك حساً ولمسة ولكنه يزعم أنه لو لا التدريب والممارسة لما كان على حاله اليوم، امتلك مارتن لحسن حظه والداً يعي ويدرك كيف يقضي ابنه تلك الساعات، فليست القضية فقط بالكم وإنما بالجودة. والكم لا شك أمر مهم للصغار إذ يرى هانز إيريك أن الموهبة ليست كل شيء (أو بالأحرى هناك من يرى أن لا موهبة بل هنالك قابليات تتشكل وراثياً وبيئياً؛ وهذا مبحث فلسفي معقد: الطبع والتطبع). يرى كذلك أنه استطاع تعليم ابنه مهارات إدراكية مغفلة كفحص ورصد المحيط عند اللعب، في أن يلقي نظرات خاطفة لما يحتجب عنه بغية الاحتفاظ بالنسق أو رفعه، إذ يقرأ مارتن اللعب بسرعة وهو الأمر الذي أهّله لأن يتفوق على أقرانه بسن مبكرة. ناهيك بالطبع عن أن والد مارتن حرص على أن تحتوي كل تمارين الصغار –وابنه في معرض حديثنا- على الكرة، من الإحماء حتى آخر رمق، وذلك طمعاً في أن يلمس الأطفال الكرة بشكل كثيف فتعدو جزءاً من أجسادهم.
امتلك الصبي المولود في درامن ولحسن حظه أبوان سعيا وساهما في اقتطاع قطاع لناديهم المحلي للعبة كرة القدم وقاموا مع بقية أهل المدينة في بناء مرفق وملعب ذو عشب اصطناعي ليمارس طفلهم وأطفال البقية ممن يقطنون المدينة لعبتهم المفضلة، بل ودرب هانز إيريك أوديغارد هذا النادي. كان مارتن يفوق بقية الصبية وهذا ما كان ملحوظاً منذ وقتٍ مبكر، ففي سن الـ12 كان بالفعل ينافس صبية الفئة ما دون الـ16، “يتعامل مع الأمور ببراعة، قرارات جيدة، لمسة جيدة، ذكي في التمركز” أحد مدربيه في الفئات السنية. ذاع صيت مارتن وبدأت الأندية ترسل كشافيها، تطور الأمر وصار يتدرب مع أندية كمانشستر يونايتد والسيتي وبايرن ميونخ، ولكن بعد تنافس فاز ريال مدريد بتوقيع النرويجي الأشقر بداية عام 2015. أعير صاحب الـ21 عاماً عدة إعارات بعد تمثيله الملكي الثاني ‘B’ حيث ساهمت أندية هيرينفن وفيتيسه بنمو اللاعب وحصوله على دقائق لعب يستحقها، أما الآن فنجمه يسطع في اللاليغا بأزياء النادي الباسكي ريال سوسيداد.
لعب صاحب القدم اليسرى في بداية مسيرته القصيرة كجناح أيمن حيث يبرع في القص عرضياً وركن كراته أو مفاجئة خصومه بالبينيات. لاعب مثل مارتن، بجودته التي تمكنه من اللعب في أي مركز في الخطوط الأمامية عدا رأس الحربة -التقليدي إن شئت- من المكسب حقيقةً وضعه في عمق الملعب سواءً كصناع ألعاب أو لاعب وسط داخلي (مركز 8#) يسقط باستمرار للمساعدة في إخراج الكرات من الخلف، يتغلغل بين خطوط الخصم ويرفع النسق من الأسفل إلى الأعلى بإدراكه وتمييزه للمساحة والتوقيت.
بارع فنياً، يمتلك تحكماً مميزاً بالكرة، كما يمتلك لمسةً جذابة علاوةً على الغاية والمقصد من التكنيك. متمكن في المساحات الضيقة إذ تتوافر لديه الشروط الفنية الآنفة الذكر، جودة اللمسة، وتكتيكياً في حماية الكرة غالباً بلا صراع بدني مستخدماً إيماءات جسدية للتخلص من خصومه. يرى دائماً للأمام ويبحث عن التمريرة الكاسرة الخارقة للخطوط أو الحاسمة، يرفع النسق بمجرد استلامه للكرة فيما بين الخطوط، أو يهبط النسق وفقاً لحالات أخرى. هذه الخصائص تمكنه من اللعب في أي فريق وأي أسلوب، استحواذياً طامعاً للهيمنة والتحكم في الرتم، أو فريقاً يتوق لتخطي الخصوم فورياً وعمودياً، أو حتى فرقاً مباشرة تتّكل على التحولات إذ أن احساسه العالي بالمساحة وقدرته على طوي المسافات فور استلامه للكرة سلاح فتاك في الهجمات المرتدة، وهذه إحدى مسوغات إيمانول ألغواثيل لوضعه خلف خط وسط الخصم عندما يدافع ريال سوسيداد كما سنرى. يضع حالياً ألغواثيل الموهبة النرويجية في الجانب الأيمن من ثلاثي الوسط 8#، مع دخول بين الفينة والأخرى لعمق الملعب خلف المهاجم (مركز 10#) خصوصاً في الحالة الدفاعية عند الضغط عالياً.

عند مراحل بناء اللعب الأولى، وعندما تكون الكرة لدى الظهير يميل أودغارد للتحرك نحو خط التماس وأمام الظهير وخلف اللاعب الضاغط على الظهير، فاتحاً مخرجاً ومسار تمرير ومحرراً نفسه من اللاعب الملازم له. ذلك أيضاً قد يفتح مساحة ومسار تمرير نحو المهاجم.
اللاتنبؤية إحدى أهم سمات مارتن، إن أفضل الفرق هي التي تملك لاعباً أو لاعبين يضفون عنصر المفاجأة للعب فرقهم. نلاحظ بجلاء التمريرة المموهة/disguised pass في اللقطات الأولى أين يكون توجيهه الجسدي وعيناه نحو لاعب فيمررها للاعب آخر كان قد تحرر بسبب حركة أو وضعية حامل الكرة. وعلاوة على ذلك فقراراته المسبقة -مع احتفاظه بمراقبة تطور اللعب- قوية، إذ نلاحظ قدرته على اللعب بلمسة إن تطلب الأمر.

في الثلث الأخير يستغل أودغارد دخول وانجذاب مدافعي الخصم مع المهاجم والجناح لمهاجمة المرمى عبر طلبه للكرة على مشارف منطقة الجزاء، باحثاً عن عرضية مبكرة -كما في الهدف ضد أتليتكو- أو عبر عكسية/cut back.


من خلال تمركز أودغارد -تحديداً- بعمق الملعب وخلف خط وسط الخصم يتمتع سوسيداد بارتداد سريع عبر تسارع مارتن وتغييره للرتم. بإمكانك أن ترى في اللقطة الأولى أين كان يلتفت/يتفحص، إذ يبدو متيقناً من المساحة أمامه ولكن المشكلة فيما يجري خلفه. كما يمكن أن نرى في الثانية 32 أن الحاجة أم الاختراع، مارتن دار مستخدماً كعب قدمه يبدو وكأنه تكنيك جمالي إلا أن وضعيته الجسدية لم تكن بالشكل الأمثل، ذلك ما جعله يضرب عصفورين بحجر، فلا داعي لأخذ الكرة خطوة للأمام (نحو مرمى فريقه) ذلك لأنه سيخسر وقتاً وربما مساحة.
قبل الختام، لا يوكل ألغواثيل مهام جوهرية لجوهرته السكندنافية على مستوى الكرات الثابتة دفاعياً، إذ نجده بعيداً عن مناطق الخطر، حيث ينحصر دوره في ركلات الزاوية على تبوء المنطقة التي قد يستهدفها الخصم للعب عرضية أرضية، أمام القائم الأول على آخر أمتار منطقة الجزاء، وكذلك سيزيد عددياً عند لعب الخصم تمريرة قصيرة (2 ضد 2)، في حين يقف في الكرلات الثابتة الجانبية كلاعب أول في الخط الأول، ومسانداً كذلك حال لعب الخصم كرة قصيرة. أما هجومياً فهو المنفذ الرئيسي للركلات الثابتة غالباً وللركلات الزاوية في الجهة اليمنى خصوصاً.
أمّا مواطن التحسن فقليلة؛ الكمال لله، لو رمنا تحسّن مارتن في النقاط التي لا يجيدها كالاحتكاك البدني، أو الكرات الهوائية التي لا يشارك بها لربما أصبح ملاكاً لا يخطئ، ولا يجب أن يكلف أو يطالب اللاعب إلا ما يسعه تقديمه، غير أن محاولة الكمال فضيلة بحد ذاتها، فنجد مارتن في الثلث الأخير متعجل أحياناً، يسدد برعونة، حتى بينياته عندما يقترب من المنطقة مسرعاً ليست بتلك الدقة، ثم مشكلة التمركز -الملازمة لريال مدريد- ولو أنه لا يكررها كثيراً كنزوله عند قلوب الدفاع.
2,7 مراوغة ناجحة في المباراة الواحدة، 84,7% معدل التمريرات الصحيحة للمباراة الواحدة، 2,8 تمريرة حاسمة/key pass، تمريرات بينية بمعدل 0,3 في المباراة الواحدة. في الحقيقة لا تشي هذه النوعية من الإحصائيات بشيء، فحتى التمريرات البينية لها شروط وفقاً لـ whoscored (يستقي البيانات من opta) إذ يجب أن تمر التمريرة بين مدافعين من خط الظهر، في حين تُغفل بقية التمريرات البينية والكاسرة للخطوط والتي تعطي الفريق تفوقاً وتقدماً نوعياً في الهجمة، تغيير النسق بعد الاستلام فيما بين الخطوط، الاستلام الموجه، توفره كخيار أفضل للتمرير للأسف ليس لها مكان في هكذا إحصائيات.
اترك تعليقًا