نستطيع أن نعرّف الخطة -يسميها البعض “الطريقة”- على أنها التوزيع المكاني للاعبين على الملعب، ببساطة. هي قالب جامد، غير أنها هي المنطلق لصناعة توليفتنا عبر توزيع ونشر اللاعبين وتقسيمهم على مناطق مختلفة على الميدان. وهي الثيمة الأساسية للفريق والتي من خلالها نصنع التحركات والسلوكيات والديناميّات، وأدوار اللاعبين.
ثمة خطط تتميز عن خططٍ أخرى، خصوصاً فيما يتعلق بالزوايا ووفرة المثلثات، كالمتاحة في 4-3-3 أو 3-3-1-3 مثلاً. خطط أخرى تتمتع بتوازع شامل وعلى مناطق مختلفة ومتفرقة كـ4-2-3-1. خطط بلاعب طرفي واحد كـ3-5-2، أو خططاً أخرى أقل توازناً وتتطلب تعويضاَ وتغطية مستمرة لمساحات خالية كـ4-3-1-2. هنالك عاملين أساسيين لانتقاء خطة، الأولى هي اللاعبين طبعاً، أمّا الثانية فهي أسلوب المدرب. أمّاً اللاعبون فخصائصهم هي المحدد، وخصوصاً لاعبي الوسط، نوعيتهم ومزاياهم، فعندما نمتلك بيرلو أو بوسكيتس، فالمستحسن وضعهم كصناع لعب أمام الدفاع، ذلك لأنهم ليسوا من النوع الذي يقطع المسافات ويدخل في صراعات إلا بنطاق ضيق، وفي وضع بيرلو أمام المدافعين يقل العبء عليه، وذلك بسبب المركز والموقع وليس بسبب تواجد لاعب آخر يغطيه، اللاعبون يغطون بعضهم البعض ضمن حالات تكتيكية معينة ولكن ليس ثمة حارسٍ خاص للاعبٍ معين في الملعب، ماذا وإلا فقدنا توازننا فكل لاعبٍ بحيزه مشغول. على أي حال فقد نضع لاعبي وسط ذوي قدرة على قطع المسافات بجانب بيرلو، كفيراتي مثلاً المميز أيضاً فنياً وتكتيكياً أو كفيدال فترة كونتي، وهذه ليست قاعدة فبرشلونة كان يلعب بتشافي وإينييستا بجانب بوسكيتس وبالرغم من ذلك فيصعب فك سطوتهم، فذكائهم وإدراكهم المكاني وقراءتهم المستمرة للعب تغطي ضعفهم البدني، وقبل ذلك هيمنة برشلونة بقيادتهم على الكرة لفترات طويلة. بناءً على هذا الافتراض (بيرلو) سنفضل اللعب بثلاثي وسط، وإذا افترضنا أن فريقنا لا يملك أجنحة من الطراز الرفيع، قد نستخدم ظهيرين، وثلاثة في خط الظهر ومهاجميْن 3-5-2.
على أي مدرب أن يكون خياطاً بارعاً وقادراً على أن يطوع أفكاره وفقاً للموارد البشرية لديه.
أنتونيو كونتي عن تصميم الخطة
هناك خلط بين الأسلوب والخطة، إذا سلّمنا بأن الخطة مجرد توزيع مكاني للاعبين فكيف لها أن تكون أسلوباً؟ ليست كل الفرق التي تطبق 4-3-3 تمتلك نفس الأسلوب، إذ أن تطبيق الخطة بذاتها يختلف من مدرب لآخر، من سارّي (فترة نابولي) والذي يستخدم أجنحة تميل للدخول والاقتراب ضمن الهيكل، في حين يفضّل غوارديولا أن يبقى الأجنحة على خط التماس. حتى أدوار الأظهرة تتباين من مدرب لآخر، فسارّي يحبذ أن يتقدم الظهير القريب من الكرة ويبقى الآخر قريباً من قلبي الدفاع، يفضل بيب أن يدخل الظهيران للعمق، يفضّل كلوب أن يكون الظهيران بعيدان وهكذا. إذاً فالأسلوب أكبر من الخطة، بل هي سلوكيات وتصرفات وأنماط وليس لكل خط وحسب بل وأحياناً لكل لاعب دور ومهام. والخطة لا تعدو كونها خياراً استراتيجياً ضمن الأسلوب، فلن ترى سارّي يلعب بثلاثي في الخط الخلفي، ذلك لأنه يطبق دفاع المنطقة والكرة هي الموجه الرئيسي لتحركات الفريق في الحالة الدفاعية. لن تشاهد فرق غاسبيريني برباعي في الخلف، لأسباب دفاعية، ففرقه تطبق دفاع الرجل لرجل علاوة على تفضيله أن يكون خط دفاعه متفوقٌ عددياً على مهاجمي الخصم. في حين لا يمانع بييلسا تطبيق خطط مختلفة وفقاً للخصم، فإذا كان خصمه يلعب بمهاجمين فسيلعب بثلاثي دفاعي، وليست العلة دفاعية فقط، وإنما هجومية إذ يصبو إلى خلق تفوق عددي أمام المهاجمين في بناء اللعب، بينما لا يغير مدرب آخر الخطة وإنما يغير دينامية معينة، كأن يسقط المحور بين القلبيْن فيكون التفوق العددي، بينما يرتاح مدربون آخرون باستخدام خطة واحدة كزيمان الذي يقول “لن أغير الخطة أبداً، ليس هناك خطة أفضل من 4-3-3 لتغطية الملعب”، تغيير الخطة من عدم تغييرها لن يجعل لها أهمية، فسارّي بالرغم من اعتماده على خطة معينة يصممها وفقاً لخصائص اللاعبين، إلا أنه لا يراها مفصلية كما يرى بأنه “يمتلك أفكاراً معينة لِلعب كرة القدم، تلك الأفكار ليس لها علاقة بالخطط”. أو كما يشير غوارديولا بأنها ليست إلا أعداداً، كرة القدم أكبر من هذه الأرقام المجردة.
الهيكل والإنتشار

*هذه مجرد أمثلة فلا وجود لفريق مثالي، بمقدورنا التقاط لقطات سلبية أو إيجابية لأي فريق، إنما الفريق المميز تكتيكياً هو الأقل أخطاءاً والذي يبقى مشيداً ومتناغماً لأطول فترة ممكنة.
مبدأ الانتشار ومفهوم الهيكل ينبغي أن ينالا الإعتبار عندما نحلل أو ندرب كرة القدم، أما مبدأ الانتشار والذي تطرقنا له فيما سبق أهم وبكثير من التوزيع المجرد للاعبين، فالانتشار والذي نقصد به تباعد اللاعبين عن بعضهم البعض وتباين ارتفاعاتهم، هو تسلل وتخلل اللاعبين ضمن شكل الخصم علاوة على تعديلهم لوضعية أجسادهم وفتح مسارات التمرير وليس فقط التخفي خلفهم كتصرفات فردية. إن غاية الانتشار هو خلق تفوق مركزي ما يتيح لنا تطوير هجماتنا، فعندما يقوم بوسكيتس بإيصال الكرة لإينييستا بين الخطوط، سيقوم الأخير باستلام موجه يقرّب الفريق كثيراً من المرحلة النهائية وقد يشكل خطراً حقيقياً على مرمى الخصم، هذا الأمر ليس متاحاً كما في الصورة 1.
*نقصد بالتفوق المركزي ((لاعب حر بمساحة خالية يمكّننا من التقدم بالهجمة))
أمّا الهيكل فهو ثمرة الانتشار الجيد، هي كتلة الفريق تتقدم سوياً وتتراجع سوياً. الهيكل يعدّ بمثابة الهيكل القاعدي للسيارة “شاسيه”، إذ يضمن للفريق متانة وقدرة على التعامل مع ارتداد الخصم حال فقدان الكرة. سيبقى الفريق كما هو بتوازع اللاعبين في المنطقة القريبة من الكرة خصوصاً، ووفقاً لمركز كل لاعب. كما لا يجب أن نتجاوز الحالة الدفاعية، فعندما لا نمتلك الكرة يتعين علينا أن نتخذ مواقع قطرية كي نغلق مسارات التمرير، وأن نقطع الزوايا، وأن يغطي كل لاعبٍ ظهره، وهو ما يسمى بالتدرج الدفاعي، فلا فائدة من أن يكون شكل الفريق جذاباً وخطوطه متناسقة، والكرة ستمر بين الخطوط بسهولة، فكرة القدم ليست سيمّترية كما يشير غاسبيريني.
حجم كل نقطة dot تمثل اضطلاع كل لاعب في الهجمة في الوقت الموضح أعلاه.
ولطبيعة كرة القدم الفوضوية، وتقلباتها تكتيكياً واستراتيجياً يصعب أن نجردها ونختزلها إلى هذه الدرجة المخلة؛ أقصد إلى 4-4-2 و4-3-3 الخ، فشكل الفريق في بناء اللعب ليس مثل شكل الفريق في الثلث الأوسط ليس مثله والكرة على طرف الملعب، وليس كذلك في الثلث الأخير، ناهيك عن تبادل المراكز والمعاوضة في التغطية، لا عجب أن يكون التطور القادم في كرة القدم هي اللامركزية، حيث يتبادل اللاعبون المراكز ويغطون بعضهم بعضاً ويحتلون المساحات بالتناوب بل ويخرجون عن السياق. للخطة في وقتنا الراهن أهمية كما ذكرنا في وضع الإطار العام وكمنطلق لتأسيس الأدوار والسلوكيات والعادات وليس أكثر، فكرة القدم لعبة عالية الحركية.
اترك تعليقًا