خوانما لـيّـو: الرحلة قبل القبلة

أصغر مدرب في تاريخ اللا ليغا الإسبانية بعد صعوده بسالامانكا إلى دوري الأضواء بعمر الـ29 فقط. بعد الخسارة ذهاباً من الباسيتي 2-0 أستطاع المدرب المولود في تولوسا في إقليم الباسك سحق الباسيتي بخماسية نظيفة صعدت بالفريق إلى الدرجة الممتازة بعد غياب دام 12 عام، أو بتعبير أصح، صعد الفريق، ذلك لأن ليـّو يرفض حتى الاحتفال بالأهداف كونها من صنع اللاعبين وهو كمدرب لن يغتصب الفضل بحسب تعبيره. المدرب الباسكي الذي اعتزل صغيراً جداً قبل حتى أن يخطو خطاه الأولى في كرة القدم “للصالات” لأن “قدماي وعقلي لايتفقان، لكنني أحسست فعلاً بأنني مدرب” الأكثر غرابة أنه بدأ التدريب بعمر 16 سنة فقط بفريقٍ هاوٍ يدعى “أماروز” وبعد 4 سنوات وبعمر الـ20 التحق خوانما بنادي المدينة “تولوسا” الذي كان يلعب بالدرجة الرابعة. مكث في تولوسا لثلاث سنوات ثم شد الرحال إلى ميرانديس لموسم واحد ثم عاد بعد البقاء بلا عمل لعام كامل لنفس النادي؛ ميرانديس. بدأ ينتشر اسمه في أرجاء اسبانيا ليلتحق بنادي كولتورال ليونيسا في الدرجة الثالثة وهو أول نادي محترف يدربه الباسكي وبعمر الـ 26 عاماً فقط ليصبح أصغر مدرب محترف في إسبانيا. بعد أن لمع اسم خوان مانويل لييّو وأسلوبه العصري في عالم كرة القدم من الصعود خطوة أكبر وربما الأكبر في مسيرته عندما وصل الى سالامانكا بعد ان أثار بهجة المتابعين في موسمه الوحيد في الدرجة الثالثة مع كولتورال ليونيسا.. كما يقال.

في سالامانكا استطاع الإقلاع بالفريق من الدرجة الثالثة إلى الممتازة في غضون عامين وفي موسمه الأول في اللاليغا احتل المركز الأخير لكن بمعدل تهديفي كبير حيث قبع الفريق في المركز الـ10 تهديفياً من بين 22 فريق كانوا في اللا ليغا آنذاك. أقيل من سالامانكا قبل نهاية الموسم بـ 6 أسابيع فاحتجت الجماهير وقبلهم اللاعبين على ذلك لحبهم له.. كما يقال. الفريق هبط فعلاً لكن خوانما بقي في اللاليغا وبالتحديد في “ريال أوفييدو” ولكن الأمور لم تسر على النحو المطلوب، أقيل قبل نهاية الموسم لسوء النتائج. عاد للتدريب في فبراير عام 98 لينقذ “تينيريفي” من الهبوط وبقي معهم للموسم التالي ولنفس المشكلة أقيل خوانما لسوء النتائج بعد 3 أشهر فقط.

سرقسطة هي الوجهة القادمة لخوان بعد توقفٍ دام عام ونصف العام، لكنه أقيل أيضاً بعد 3 أشهر فقط. أصيب المدرب الباسكي بعد ذلك ببعض الإحباط فعمل معلقاً لقناة Antena 3 خلال كأس العالم 2002 ليعود للعمل عام 2003 عبر بوابة مورسيا في الدرجة الثانية لموسم ثم درب تيرّاسا في الموسم الذي يليه بلا نجاحات ملحوظة. في عام 2005 رحل للمسكيك لنادي دورادوس، تلك الفترة امتلأت بالمشاكل حيث اتهم الباسكي المتفسلف الإتحاد المكسيكي بالإنحياز لبعض الفرق انتهت تلك الفترة بهبوط دورادوس. في 2006 يعود لإسبانيا وبالتحديد للنادي الباسكي ريال سوسيداد وفشل في الصعود بالفريق لدوري الأضواء حيث احتل المركز الـ6 لينتهي ارتباطه سريعاً في سوسيداد. التحق لييّو بالنادي الأندلسي ألميريّا لينقذهم من الهبوط عام 2010 بل وينهي الموسم بالمركز الـ13، جددت إدارة ألميريّا الثقة بخوان للموسم التالي حتى خسارة الفريق الكارثية أمام برشلونة بـ 8-0 في نوفمبر 2010 ليبقى خوان بلا عمل حتى 2014 ثم يرحل إلى كولومبيا إلى النادي الكولومبي العريق ميّوناريوس النادي الذي انجب دي ستيفانو وفالكاو، تلك التجربة لم تكن باللامعة كما جرت العادة فميّوناريوس لم يعد النادي المليوني كما كان من قبل.

إنتخابات برشلونة 2003 .. العلاقة مع غوارديولا

Tres días con Guardiola en Murcia | La Verdad

عام 2003 بدأت انتخابات برشلونة وترشح كلٌ من لويس باسات وخوان لابورتا لرئاسة النادي الكتلوني، من ضمن خطط باسات أن يضع غوارديولا مديراً رياضياً للفريق بعد الإتفاق فعلاً مع بيب. غوارديولا لم يكن في عقله إلا مدرباً واحداً ألا وهو خوان مانويل لـيّو، غير أن باسات خسر كرسي الرئاسة وعدل بيب غوارديولا عن قرار الإعتزال ورحل إلى قطر. وتتلاشى الفرصة الأكبر للـيّو صاحب الـ37 عاماً آنذاك. علاقة كبيرة وصداقة قوية واحترام متبادل تجمع بين خوانما لـيّو وبيب غوارديولا حيث صرح خوانما مراراً أن غوارديولا هو أفضل لاعب وسط في العالم، العلاقة بدأت في الكامب نو في مباراة برشلونة وريال أوفييدو إبان تدريب خوانما للنادي الأستورياسي. أعجب بيب بالكرة التي يقدمها أوفييدو تحت إمرة المدرب الباسكي ولم يخفِ غوارديولا رغبته باللعب تحت قيادة لـيـّو وهذا ما حدث فعلاً في 2005 عندما انتقل إلى دورادوس المكسيكي وهي آخر محطات غوارديولا قبل الإعتزال وحصل الوصال هناك في المكسيك. وجهة غوارديولا لم تكن فقط للعب بل لتعلم بعض من أفكار “أستاذه” – كما يسمّيه بيب – قبل التوجه لعالم التدريب. بالرغم من أن الفترة التي لعب فيها غوارديولا رفقة خوانما كانت قصيرة (6 أشهر) إلا أن مدرب السيتي الحالي صرح بأن لـيّـو هو المدرب الأهم في مسيرته مع الوضع في الحسبان مدربون قديرون دربوا بيب مثل يوهان كرويف -وهو المثل الأعلى للـيّـو- فابيو كابيلو، خافيير كليمينتي، كارلو ماتزوني، فان غال.

بعد تعيين بيب غوارديولا كـ مدرب لـ برشلونة B عام 2007 لم يستلهم غوارديولا أفكار لـيّو فقط بل وأدار خوانما لييّو أولى الحصص التدريبية بشكل غير مباشر وجنباً إلى جنب مع بيب، الطريف في الأمر أن بيب غوارديولا نفسه كان السبب في إقالة لـيّـو عام 2010 من ألميريّا عندما سحق برشلونة النادي الأندلسي بـ8 أهداف دون رد.

“أنا اتفهم لماذا يتم إقالة المدربين، لكن الشيء الذي لا أفهمه هو لماذا يتم تعيينهم في البداية ؟”

هذه كلمات لـيّـو بعد إقالته من ألميريّا في نوفمبر 2010. آثر خوانما دوماً وفي كل الفرق التي دربها الكرة الجميلة والهجومية مبدياً امتعاضه في الحكم على المدربين بالنتائج وأن يتناسى الإعلام عملية كاملة ومنهجية يسير بها مدرب كرة قدم جيد، “الإعلام لا يخسر” يقول لـيّو ويضيف: “الصحافة تحلل كل شيء من خلال النجاح، التحليلات والتقارير تنجز من خلال النجاح، ولذا فهم دوماً على صواب.”

محطات خوانما لييّو لم تكن متناسبة مع خططه وتكتيكاته الهجومية الطويل الأمد والتي تتطلب صبراً في هذا العالم المتسرع والملح والراغب في النتائج الفورية. يتسائل لـّيو هل تشتري صحيفة لمعرفة النتائج أو تذهب إلى الملعب في الدقيقة 90 وترى النتيجة، أم ترى المباراة -وهي العملية…؟ لا أحد سيصبر على مدرب يضع فلسفته وأفكاره قبل النتيجة النهائية التي ستتحدد أحياناً عبر الصدف المحضة، أو عبر الفرديات العظيمة التي لم تكن فرقه -بلا شك- تمتلكها. وهل من الممكن أن تُطبق كرته في دوري النخبة؟ يستغرب أوسكار كانو مورينو هذا السؤال، “لا أفهم ما المقصود بـ’كرته’، ما هو أهم، هو أنه لطالما قال بأن كرة القدم بالنسبة له تنتمي لمن يلعبها؛ أي للاعبين.” أسلوب لـيّو ببساطة يتمحور حول الكرة، فبلا كرة ما الجدوى من “كرة” القدم؟ كما أنه الأسلوب الذي سيقربه من الفوز على حد وصفه، “إذاً أنت براغماتي أيضاً؟” يسأل سيد لو، يجيب ليـّو: “أيضاً؟ لا، قبل أي شيء، ما يقوم به المدرب هو محاولة زيادة مؤشر احتمالات الفوز في المباراة، كمدرب كل ما بوسعك تنحية عامل الحظ من دوره قدر الإمكان.”

في كل نشاط إنساني ثمة فسحة للأخلاقيات، كرة القدم ليست نتيجة وحسب، “لا شيء في هذه الحياة يضمن النتائج، حتى أولئك الذين يتحدثون عن النتائج إنما هم يبيعون الهواء ويخادعون الناس. أستطيع أن أظهر النوايا لا النتائج، لأن النوايا ستظهر الأفكار”، بإمكانك الفوز وإن كنت سيئاً بغض النظر عن الأفكار والأسلوب، يتحدث لـيّـو كما كرويف عن النوايا، عن الكيفية، عن الرحلة قبل المحصلة وقبل الوصول “إننا نعمل بلعبةٍ متغيراتها كثيرة والصدف من ضمن متغيرات كرة القدم”. ولكنه يُصرّ على البقاء على نفس النهج الذي يتّبعه قائلاً “تلافي المخاطر هو أخطر شيء على الإطلاق، من أجل تجنب المخاطر، سأواجه المخاطر.” يحب الناس البساطة كما يشير لـيّو، فالناس “تتجنب نظريات التعقيد”، الناس تبحث عن بساطة التفكيك والسببية، لكن عندما تذهب من مكان إلى آخر لن تعرف ما الذي ستواجهه في طريقك، فالسبب والأثر لا وجود لهما -بحد ذاتهما- “كيف تعرف أن السبب لم يكن تأثيراً لشيء سبقه، وأن التأثير لن يتسبب في شيء آخر – في سياق متغيرات أخرى لا تعد ولا تحصى؟” هذا ينطبق على كرة القدم بمتغيراتها اللانهائية. يشدد لـيّو المطلع على نظريات التعقيد “أدق متغير قد يغير كل شيء، إنها نظرية الفوضى.”

قدّم الفيلسوف المبتكر لعالم المستديرة خطته الجديدة (4-2-3-1)، وهذا الشيء الذي قد لا يعرفه الكثيرون، لـيّو هو مبتدع الخطة الأكثر انتشاراً حالياً في عالم الكرة. قضى لـيّـو معسكر موسم 91-92 خلال فترة تدريبه لكولتورال ليونيسا في العمل على خطة 4-2-3-1، المدرب المهووس بالمركزية والذي تأثر بيوهان كرويف قال عنه خورخي فالدانو: “لقد قابلت رجلاً مجنوناً، يتكلم عن لعب الكرة بشكل صحيح!” لـيّـو هجن مركزية كرويف بمنطقة ساكي وهي عطفاً على ذلك أكثر الأساليب انتشاراً حتى وقتنا في إسبانيا. أخذت الـ4-2-3-1 في الانتشار أكثر فأكثر في كرة القدم حالياً لسلاستها ولمرونتها على الجانبين الدفاعي والهجومي، يصر لـيّـو أن الرسم هو عبارة عن أرقام ليس إلا، الأهم تمركز اللاعبين والتحرك داخل الملعب، “طالما أن الكرة تتحرك فليذهب الرسم للجحيم” في الحقيقة استخدم لـيّـو 4-4-2 مع إسقاط أحد المهاجمين للخلف، ولكنه أسماها 4-2-3-1 على أي حال.

“كنت أحاول صنع توزيع مكاني بناءً على نوعية اللاعبين الذين كنت أمتلكهم، نجح ذلك ومنذ سنوات بدأ الجميع يستخدمها. أعتقد أنها خطة جيدة، ولكني متأكد بأنه إذا رأيت تصرف اللاعبين عوضاً عن الأسماء المستخدمة للخطط، فالخطة قد اُستخدمت فعلاً قبلي بألف عام، ستبدو وكأنها 4-4-2 بمهاجم متأخر وجناحين متقدمين، كل ما في الأمر أن هناك هوس لتسمية الأشياء، لذا فقد أطلقت عليها 4-2-3-1”.

يولي خوانما لـيّـو اهتمامه الأكبر للإستحواذ في أسلوبه ويعتبر أحد رواد الـ Juego de Posición أو أسلوب المركزية ويعتبرها الحجر الأساس في نهجه ولكنه ينكر كونه يبحث عن كرة ذات طابع جمالي وفني “أنا لا اطلب من اللاعبين أن يرسموا لوحات عبر أقدامهم”، يفسر لـيّـو هوسه بالإستحواذ برؤيته للكرة كجزء لا يتجزأ ولسيت مختزلة في الثنائيات، هجوم أو دفاع، كاتيناتشو أو تيكي تاكا، “كرة القدم ليست هجومية ولا دفاعية، تقول القوانين من يسجل أكثر سيفوز، لذلك نحن نحتفظ بالكرة، وبدونها لن نستطيع إحراز الأهداف” الفكرة الرئيسية للتمركز لدى لـيّـو هي أن يمرر اللاعبين الكرة فيما بينهم في مساحات ضيقة لخلق مساحات في جهة أخرى من الملعب ومن ثمً تمرير الكرة للاعب الحر (الغير مراقب) في الجهة الأخرى، التفوق المركزي ضروري ليكون بمقدور الفريق اختراق دفاع الخصم. تمرير الكرة بدقة وفعالية يبقي الكرة بحوزة الفريق كما أن التفوق العددي خلال عملية تدوير الكرة يُنبت اللاعب الحر أو اللاعب الغير مراقب وهذا ما يهدف إليه لـيّـو في التمركز والاستحواذ على حدٍ سواء. اللاعب الحر سيكون حاسماً لإنهاء الهجمة، “المركزية تبدأ من انطلاق الكرة من الخلف في الوقت الذي يضغط الخصم في ملعبك، كل شيء يصبح أسهل عندما تخرج الكرة من الخلف بنظافة.”

يرى لـيـّو أن ثمة أزمة في تسمية هذا الأسلوب بالمركزية أو اللعب التموضعي بالإسبانية Juego de Posición أو بالانجليزية Positional play، هو يفضل اطلاق مصطلح juego de ubicación “اللعب التموقعي” عوضاً عن ذلك، ذلك لأن من الممكن “أن تتمركز -جسدياً- بشكل مثالي ولكن في المكان الخاطئ، أو التمركز بهيئة سيئة في المكان الصحيح”. والواقع أن الفكرة الأساسية في المركزية هي التموقع والتوجيه الجسدي وبعبارة أخرى (تفوق مركزي؛ أي ايجاد لاعب حر للتقدم بالكرة)، وهي أولى من التفوق العددي، أو النقل البسيط للكرة.

ليـّـو يصمم تدريباته دوماً على الكرة وبطريقة مبنية حول الكرة ويرفض فكرة أن تمارين القوة واللياقة مهمة في بناء فريق. يؤكد لـيّـو بأنها كرة قدم لذلك يجب أن تكون التمارين عبر الكرة لا الركض وحسب لأنه وكما -باكو سيرولّو- كرة القدم لعبة ينبغي أن تتبع التعقيد أي أنها كلٌ متكامل، وتمارين اللياقة والتحمل لا تمكّن الفريق من اللعب بشكل أفضل ولا تجعل من اللاعب لاعباً أفضل، لأنه وببساطة تمت ممارستها خارج سياقها، أي أنه تم اختزالها في اللياقة. لـيّو يعشق اللاعبين الأذكياء ويفضل اللاعبين الفنيين دوماً على اللاعبين البدنيين أو العدائين ذلك لأنه –بالنسبة له- سرعة اللاعب غير مفيدة إذا لم تُستخدم بالشكل الصحيح ولا يعتبرها ضرورية في المفاهيم الكروية.

“يومياً أسأل، أَخبرني من يلعب في الوسط سأخبرك ما نوع فريقك.”

“إينييستا يستطيع اللعب بدون ميسي لكن ميسي لا يستطيع اللعب بدون إينييستا”، في برشلونة لـيّـو يعطي أهمية أكثر لإينييستا، أكثر حتى من أهمية ميسي على سبيل المبالغة، أو ربما كلاعب متأخر قادر على إخراج الكرة من الخلف، لاعبو الوسط الفنيون -على سبيل التقريب لا الاختزال- لهم تقدير وتقديس بالنسبة لخوانما لذلك ولا غرو أن يكون غوارديولا -برأيه- هو أفضل لاعب وسط في كرة القدم. “ميسي يقوم بأفضل الألعاب والحركات، إينييستا هو أفضل لاعب في العالم” .. “يعجبني اللاعبون الذين يستلمون الكرات بأقدامهم البعيدة (استلام موجه)، (يعجبني) من يفتح الملعب، و(يعجبني) من يفتح مسار تمرير لنفسه.”

أما عن معاملة اللاعبين فعلى غرار فلسفته الكلانية، يرى اللاعب بجميع الأبعاد، قبل أي شيء كإنسان -يصرح لبليزارد- فالأمر يتعلق بالبشر وبكل شيء، لا يمكن اجتزاز ذلك من السياق: “لاعبو كرة القدم بشر في النهاية، يجب معاملة اللاعبين كمجموعة من البشر من الاثنين وحتى السبت، ويوم الأحد كلاعبي كرة قدم، على المدرب أن يكتشف قدراتهم الثقافية كلاعبين، هذا ما يجب على المدرب أن يبحث في اللاعب لبناء فريق. التركيبة يجب أن تكون منظمة ذاتياً بصرف النظر عمّا يريده المدرب” .. “اللاعب ليس علبة يجب ملأها، وانما شعلة يجب أن توقد” .. يبين لـيّـو في الأسطر السابقة أهمية التواصل مع اللاعبين إذا ما أردنا تشييد فريق واكتشاف نقاط القوى لديهم، يلزمنا اقناع اللاعب لا ارغامه، ويجب أن يعرف المدرب كيف يتعامل مع المعلومات التي يملكها عن اللاعبين ويكاشفهم بها دون أخذ أحكام مسبقة، وبالنهاية يتم بناء فريق قوي ذهنياً وفنياً. يشير لـيّو أنه إذا وصل لفريق جديد فالمهمة ستكون قائمة على التعديل وليس على تغيير جذري، 80% مشيد تلقائياً.

“لا يجعل اللاعبين كالآلات” خورخي سامباولي والذي عين لـيّو كمساعد له في تشيلي وأشبيلية، يكشف لنا طريقة لـيّو مع اللاعبين في التدريبات، “هو يريدهم مستقلين “خلف فكرة” امتلاك الكرة. بالنسبة لي، لـيّو معلم. من تمكن منّا من مقابلته في مرحلة ما فقد تعلم شيئًا ما.” كمربي هو يريد “تشجيع الاكتشاف الذاتي بين اللاعبين، تشجيع الحوار والتفاهم. أمرٌ معقد ومتقلب. أنت توجه الناس بدلاً من أن تأمرهم. أنت توازن، تتكيف، تستمع. البشر منفتحون، لا توجد إجابة تغلق النقاش بشكل نهائي. لا يقتصر الأمر فقط على أن ما يصلح مع لاعب لا يصلح مع لاعبٍ آخر؛ بل أن ما صلُح للاعب قد لا يصلح مع نفس اللاعب في وقت مختلف وتحت ظروف مختلفة.” نفسياً يتواصل لـيّو مع لاعبيه كأفراد ولكنه يرفض فكرة التدريب الفردي تكتيكياً، هذه خديعة كبرى بالنسبة له: “أنت لا تلعب فردياً، بل ضمن سياق الفريق” الكل يؤثر في الكل، وهذا ما يخلق التعقيد في كرة القدم، “ما يقوم به اللاعب الآخر هو ما يفرض عليك هذا القرار أو ذاك… […] يتكلم الناس عن التصفات الفردية، ولكن ليس ثمة تصرفات فردية”. لا تستطيع نزع الأبعاد المختلفة من أي تصرف، الزملاء أو الخصوم أو مكان المرمى أو حدود الملعب، البيئة أو المشاعر أو الحالة البدنية، اللاعب ليس فرداً مطلقاً في كرة القدم بل فرد نسبي، اللاعب بشر وليس روبوت.

يعتبر خوانما مرجعاً أساسياً في كرة الاستحواذ ودائماً ما يرتبط اسمه بها، ساهم بعدد من المقدمات لبعض الكتب، كتب كانو أو كتاب نونو أمييرو عن “المنطقة”. من بين المدربين المتأثرين به هو المتهور باكو خيميز -كما يصّدر لنا الإعلام- ويبدو أن مدرب كرة القدم الذي يدرب كرة قدم بأقل قدرٍ من المازوخية يصبح متهوراً، من تجلى له جوهر اللعبة “المتعة” يصبح متهوراً للعقول المقولبة. “تعلمت من لـيّو حب اللعبة” يقول خيميز ويزيد: “في كل تمرين تتعلم أمراً جديداً ورؤية جديداً، تنوعه ووضوحه يدهشني”. أوناي إيميري مواطنه كان قد أراد استهلال مشواره التدريبي كمساعد للـيّو -بالرغم من اختلاف الرؤى بينهم- إلا أن ذلك لم يحدث.

لا يسعني أن أختم هنا إلا أن أقول أن الكرة تنمو وتزدهر ميثودولوجياً وفلسفياً بعقول كليـّو وكرويف وغوارديولا ودانتي بانزيري وأنخيل كابّا وفالدانو ومينوتي وساكي وزيمان وغوارديولا وفرادي وغارغانتا ومورينيو، والعقل الأعمى الذي يبني جدراناً بين النظرية والتطبيق يأبى ذلك، يقول كانو أنه “يزعجني أننا نعترف بالخفاء أنه متوقد العقل، لكننا لا نستطيع الاعتراف علناً لسببين: لعدم فوزه بدوري أبطال أوروبا وللشعور بضآلة أحجامنا أمام المادة الرمادية (التي يمتلكها لـيّو).” يذكرني ذلك بجامباولو قبلة المدربين لسنين من بينهم سارّي وأليغري وكونتي ولكن بالخفاء…

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: