
رغم أن المعروف لا يعرف، إلا أن هندريك يوهانس كرويف (1947-2016) لاعب هولندي برز في السبعينات وخصوصاً في أياكس والمنتخب الهولندي، كان ضلعاً رئيسياً لكرة رينوس ميخلز الشاملة. كان ولا زال للثنائي دور بارز في الكرة الحديثة. يوهان -كمدرب- قد سبق زمنه فعلاً، إذ أن بعضاً أو كثيراً من أفكاره التكتيكية والتدريبية للتو وصلت لبعض البلدان المتقدمة كروياً. أقول وقلت أن كرة القدم الحديثة انفلقت لنصفين، نصفٌ تابع لكرويف، حيث العفوية والجمال والإبداع والحرية، ونصف آخر لساكي حيث التنظيم والدقة والجماعية، وبلا شك جمال التناغم والكلانية التكتيكية. يذكر كومان مثلاً أن كرويف كان يأتي للتدريبات بلا تحضير ولا أوراق يزدان فيها لردم قصوره كما نرى اليوم، ولا تمتلئ تدريباته بالأقماع والتنظيم الماسخ لانسيابية كرة القدم. كل كرة القدم كانت في رأسه، حاضر وفكرته منه وله تتداعى لذهنه بوميض لحظ. كانت منهجيته بعظمة ما أنجزت هي البداهة والحدس، أين يتوق الكثير إلى مواجهة الطبيعة وسيرورتها، فقد تجلت له بساطة كرة القدم كلعبة وفن -للمفارقة- بتعقيدها وعشوائيتها، فيما ارتأى آخرون مساراً خطياً مفرط السببية والحتمية والسطحية مفسدين أجيالاً من اللاعبين.
بالرغم من كون كرويف هو المعلم الأول في كرة القدم -بالنسبة لي- فأدعوا نفسي وإياكم ألا نكون إمعة ونأخذ بكل شيء، ماذا وإلا كان تأجيراً صريحاً لعقولنا وكبح لإعمال هذه الهبة الإلهية. إذ أن هناك تطورات كبيرة في منهجيات التدريب أو حتى بعض الأفكار التكتيكية ربما تخطت كرويف أو قد تتخطاه لاحقاً، والحدس لأي إنسان يظل منقوصاً ورهن التجربة إن أمكن، أي أن يتصدى العلم أحياناً لما نظن أنه بديهي وفطري. فمثلاً تعتمد مؤسسة كرويف -وهي مؤسسة مرموقة في تقديم الدورات التدريبية- على مؤشر مايرز بريغز للأنماط MBTI وهو مؤشر لا يعتد به علمياً. وختاماً، ستظل كرة القدم مدينة لكرويف وسيظل مرجعاً نعود له، أترككم للإستمتاع والاستزادة منه في هذا الكتاب الصغير والذي يقع في صحفاتٍ لا تتجاوز الـ50، وسأترجمه على أربعة أجزاء، وما يلي هو الجزء الأول.
ملاحظة: ما بين < > هو إضافة أو شرح المترجم.
الفصل الأول
تنطوي كرة القدم بشكل أساسي على أمرين، أولهما هو عندما تكون الكرة بحيازتك يجب أن تكون قادراً على تمريرها بشكل صحيح. أما الثاني فحينما تُمرر الكرة إليك يجب أن تكون قادراً على السيطرة عليها. أما وإن لم تستطع السيطرة عليها فلن يكون بمقدورك تمريرها أيضاً. هذان الجانبين هما الأهم على الملعب، ذلك لأنه لا ينبغي أن ننسى أبداً أن كرة القدم هي رياضة تنطوي على العديد من الإخفاقات، بل وقد تكون النجاحات فيها بنفس أهمية الأخطاء.
يُحتمل أن تصل الكرة إلى قدميك أو على منتصف ارتفاعك أو صدرك أو رأسك، لذا من المهم جداً مراعاة التكنيك بشكلٍ كافٍ لتتمكن من التحكم بالكرة بأكثر الطرق فعالية، واعتماداً على الظروف الناشئة عن اللعب. بالتالي، وبتملّك أصابع اللاعب مفاتيح آلته الموسيقية، سيكون قادراً على اتخاذ أفضل قرار وفقاً للسياق -الذي يكون هو فيه- في أي لحظة.
إذا لم تتمكن -لأي سبب كان- من التحكم بكرةٍ اصطدمت بك في موضع معين أو بسبب سرعتها، فلن تتمكن من البدء في تطوير نفسك، وعطفاً على ذلك فسيتضرر الأداء الجماعي وسيتضرر العرض. ولسوء الحظ، يتضاءل العمل على هذه الأمور أقل فأقل في التدريب وكذلك على المستوى النظري بسبب عوامل تعليمية أو اجتماعية أو ببساطة لعوامل على مستوى العقلية. إن اللعب الجيد -في رأيي- يتألف من التنفيذ الصحيح لجميع التصرفات.
إذا تحتم علينا نقل الكرة بسرعة معينة وببعض الدقة، فيجب أن تكون قادراً على القيام بذلك دون أن تفشل وفي الوقت المناسب. إن التنفيذ الجيد -بجوهره- يعني أداء جميع تصرفات مباراة كرة قدم بصورة ملائمة. رتم وإيقاع الكرة، التحكم، كيفية تمرير الكرة، التمركز، والمراكز … هي عوامل حاسمة يجب التعامل معها بفنية كافية بحيث تُنجز وتُنفَّذ بنجاح.
لا شك أن أحد أسباب نقص الجودة الفنية <تكنيك> لدى العديد من اللاعبين ذو صلة بالمكان الذي يتعلم فيه الصغار كرة القدم. في وقتي، كانت الأكاديمية الأكثر شعبية لاكتشاف أسرار هذه الرياضة هي الشارع. الأطفال الذين يحبون لعب الكرة بأقدامهم يتعلمون في الشوارع والساحات في الأحياء. لم يقتصر الأمر علينا نحن فقط، بل والصغار الذي يكبروننا أيضاً. وحتى الكبار، وأولئك الذين يعملون، بعد نهاية عملهم، وأولئك الذين كانوا يدرسون، بعد أن يغادروا مدارسهم. الجميع في الشارع لممارسة رياضتهم المفضلة.
لم يكن الاحتراف بمثل ما هو عليه في يومنا الحاضر، باستثناء بعض الاختلافات، يتدرب الجميع في نفس الوقت. أنا أتحدث عن أوقات مختلفة تماماً، ليكن بمعلومكم. ضع باعتبارك أنني كنت -على سبيل المثال- ثاني لاعب كرة قدم محترف في هولندا، بعد صديقي بِيت كايزر، والذي خضت معه العديد من التجارب في أياكس والمنتخب الهولندي.
كما أسلفت، خلال النهار إما أعمل أو أدرس، وفي فترة ما بعد الظهر ألعب. ألعب هناك، في تلك الشوارع التي تحولت إلى معسكرات تدريب مؤقتة، هناك حيث يمكن للصغار التعلم. كيف؟ مشاهدة وتقليد ما يفعله الكبار. أنا مقتنع بأن هذا المشهد نفسه يتكرر في الكثير من المدن الأخرى في العالم، في جميع القارات، وفي جميع البلدان.
حاولنا في السنوات الأخيرة استعادة روح كرة الشوارع. على سبيل المثال، أتذكر في بطولة كرة الشوارع للأطفال أقمناها في أمستردام، وبحضور جمهور كبير، بتوقعات وآمال كبيرة، إلا أننا افتقدنا لمرامٍ في اللحظة الأخيرة بسبب مشكلة تنظيمية، فكادت أن تلغى البطولة. بدا وأننا لن نتمكن من اللعب وسنضطر لتعليق هذا الحفل الذي أيقظ حماساً كبيراً بين المشاركين، حتى أتى شخص ما بفكرة وضع سيارتي إطفاء بدلاً من المرمييْن، الأمر الذي خدمنا بالشكل الأمثل.
كم عدد الأطفال الذين لم يستخدموا المحافظ أو حقائب الظهر أو المعاطف أو بعض الأحجار البسيطة لوضع مرميين! يتجلى من هذه التفاصيل، -علاوة على تفاصيل أخرى- أنه ليس من الضروري امتلاك جميع العناصر دائماً، كما أن أوجه القصور مليئة بالإبداع والخيال.
الفصل الثاني
فلنعد مجدداً إلى تعليم كرة القدم. حينما كنت في بداياتي كان بمقدور الصغار التعلم لأنه دوماً ما تواجد لاعب أكبر منّا يبقى معنا ويعلمنا بعضاً من خدعه، ويصحح بعض الأخطاء ويشاركنا بعضاً من أسراره. لطالما اعتقدت بأن أفضل طريقة لتعليم الطفل كرة القدم هي أن ترشد لا أن تمنع وتحظر. الأمر لا يعني بالضرورة منعك مما تريد القيام به، وإنما تكميل معلوماتك أو تحسين جودتها؛ <أي جودة المعلومات>.
بصرف النظر عن مدى تطور التكنولوجيا أو الطرق البيداغوجية/التربوية، وبصرف النظر عن عدد الرسائل العلمية المنشورة حول كرة القدم، وبصرف النظر عن السعي الحثيث لتحويل كرة القدم إلى علم دقيق ومتنبأ به، كامل ومعصوم عن الخطأ عبر الصدح بالخطب التكتيكية وخطب السبورة، بظني، أفضل مدرسة لا تزال هي النقل الشفهي والعملي للمعرفة إلى اللاعبين بمختلف الأعمار. والأمر الأهم هو أن انتقال المعرفة سينبعث من لاعب إلى لاعب آخر، بما أن الاثنين يتحدثان نفس اللغة، بالتالي فبإمكانهما التفاهم والتناغم. وإذا لم تكن تتحدث ذات اللغة التي يستخدمها المدرب فبالكاد ستتعلم أي شيء.
من بين الأمور التي لاحظتها عندما كنت طفلاً هو أن أولئك الذين استمتعوا بتعليمك شيئاً ما هم القادرين على التحكم بالكرة بشكل أفضل. من الناحية الأخرى، أولئك الذين كانوا قادرين فقط على الالتحام مع المنافس، أو الوقوف في منتصف الملعب والعرقلة أو الركل لم يكن لديهم ما يعلمونه (على الرغم من أنني أخشى أنه يجب أن يتعلموا الكثير). على عكس هؤلاء المدربين المهنيين العفويين وعشاق التكنيك الجيد، والذين يقولون: “انظر يا فتى، إلعبها هكذا وانظر كيف تسير الأمور.” وبهذه الطريقة، بالاستماع إلى نصائحهم، وبالتجربة والتصحيح، وتطبيق ملاحظاتهم، فستتعلم بالأثر، ومن الحِكم، كيف تمتص الكرة القادمة من الأعلى، كيف تحرك رأسك وتضع بقية جسمك عند الإنهاء، أو البحث عن مساحةٍ خالية، وهكذا…
هذه إحدى طرق التعليم، ولكن للأسف يبدو أن الأمور قد تغيرت قليلاً منذ ذلك الحين. اليوم، حتى مدربي الفئات السنية لكرة القدم يدرسوا كي يصبحوا مدربين. لكنهم مدرسون بمعنى التدريس بالإضافة للتدريب. يمكنهم إخبارك كيف تسدد بقدمك اليسرى، حسناً، هذا جيد جداً. لكن إذا لم يعلموك كيفية التسديد باليسرى، مالجدوى من ذلك؟ .. هل تعلم لماذا لا يشرحون لك ذلك؟ ببساطة شديدة، لأنهم لا يعرفون القيام بذلك. وإذا لم يكن لديك التكنيك المطلوب كي تُعلم، فما الذي ستتحدث عنه بحق الجحيم؟ حسناً، الجانب البدني وهذه الأشياء مهمة، لا بأس، لكنها ثانوية إذا قارناها بالتكنيك.
من ناحية أخرى، إذا كنت تدرب طفلاً ويمكنك أن تشرح له كيف يجب أن يلمس الكرة، بأي جزء من قدمه، بأي وضعية يسدد، وما هي التدابير التي يجب اتخاذها إذا اقترب منه الخصم، وما هي الظروف التي يجب أن يضعها في الاعتبار، وبأي سرعة يقوم بالتنفيذ، يمكنه بعد ذلك التدرب بمفرده، ينتسخ ويقلد، ويصر ويكرر، يتحسن ويتعلم ويصقل مهاراته، ثم يكيف هذه المعرفة ويطبقها على طريقته في اللعب، وأيضاً على شخصيته الكروية. أكرر، إذا كنت لا تعرف كيف تفعل ذلك، فلا يمكنك أن تُعلمه. فستبدأ في الحديث عن أشياء أخرى، مهما كانت أهميتها، لن تكون أبداً بنفس أهمية التكنيك. وهكذا، شيئاً فشيئاً، تتناسى التفاصيل، تبتعد عن الجوهر وعن نواة المسألة. وهذه هي مشكلة كرة القدم الحالية.
أعلم بالطبع، أنه ليس من السهل كسر هذا الجمود. يحتاج جميع المدربين- بمن فيهم مدربي الفئات السنية- إلى الأوراق <الرخص> ويحتاجون إلى الاستيفاء بالمتطلبات من خلال الهيئات الرسمية المعنية. هذا مفروض من الأعلى، لذلك سيكون من الصعب للغاية كسر هذا التسلسل الهرمي. وهذا لا يعني أنني أعارض تماماً هذه الإدارة التنظيمية والرسمية، الأمر ليس كذلك، لأن كل ما تتعلمه باتباع هذا النظام يخدم أيضاً غرضاً ما. ولكن من المؤسف أن ثمة جوانب أخرى يتم نسيانها بشكل متزايد. وأخشى أن هنالك قدراً كبيراً من الحياة يتجاوز ما يتم تدريسه بشكل عام.
ولهذا السبب لطالما رغبت في إيجاد طريقة لتعليم هذه الأمور. بالتدريب طبعاً، ولكن أيضاً من خلال دروس كرة القدم، ومن خلال محاضرات الماجستير للمدربين، أو ببساطة، باستخدام قرص مضغوط (CD) أو لعبة كمبيوتر بحيث تظهر فيها كل هذه العناصر ويمكنك بعد ذلك أن تتدرب في المنزل. ومن ثمة يمكن لأي شخصٍ أن يصل إليها ويأولها بطريقته الخاصة. وهي بدورها ستعلم صبياً لا يعرف كيف يسدد بقدمه اليسرى فينزل إلى الحديقة أو الشارع ويحاول تكرار ذلك.
أتذكر قبل بضع سنوات محادثة أجريتها مع خورخي فالدانو حول كرة القدم. تم نشر المحادثة في El País (3 يونيو 1996) وهذا ما قلته عن كرة القدم للفئات السنية. في الحقيقة، ما زلت أفكر في ذات الأمر: “في نادٍ كبير مثل برشلونة أو ريال مدريد، من هو مدرب فريق كرة قدم على مستوى القاعدة؟ مدرب أم مربي؟ إذا كان مدرباً، فقد يرغب يوماً ما في الترقي كمدرب. هذا يعني أنه يعتاش بالفعل على النتائج. والصواب ألّا يعيش على النتائج: عليه أن يطالب بالنتيجة كتعليم. ما حدث يمكننا رؤيته فوراً: الجودة الفنية قد انخفضت في السنوات العشرين الماضية. غير أني ضد مطالبة مدربي الفئات السنية بأوراق <رخص> للقيام بعملهم.
من هو المخول لكي يدرب؟ إنه الفتى من البلدة المجاورة، والذي لعب كرة القدم طوال حياته ويريد الآن تعليم الأولاد. وليس ذلك الذي درس، لأن ذلك الرجل يقضي وقته في تسلق السلم. وكيف يتسلق السلم؟ عبر الفوز. إذا كنت مديراً، فلن تقوم بالتوقيع مع شخص ترك فريقه الشاب في المركز الرابع. لكن من وجهة نظري، قد يكون هذا هو المدرب الأفضل.
الفصل الثالث
بالطبع، يصعب العثور على شوارع يمكن اللعب بها قياساً بالوضع الذي تبدو عليه المدن. وخاصة في المدن المركزية الكبيرة التي اجتاحتها حركة المرور، غير أن هنالك صيغاً أخرى. على سبيل المثال، يمكنك تنظيم بطولات مدرسية ومسابقات في الأحياء بدعم مؤسسي من مجالس المدينة أو كذلك تنظيم مباريات على الشواطئ … يمكنك ذلك إذا أردت. بالنسبة لي، أحاول تنظيم بطولات الشوارع، كرة الشوارع، بستة لاعبين لكل فريق. أفعل ذلك بالتحديد لمحاربة أولئك الذين يقودون كرة القدم بطرقهم المحدودة والميكانيكية/الآلية في فهم الأمور، وأيضاً لاستعادة تلك الروح الأصلية.
هكذا صَممتُ كرة الشوارع، يتكون كل فريق من ستة لاعبين: حارس مرمى وخمسة لاعبين داخل الملعب. ولا يوجد إلا ثلاثة قوانين. عدد اللاعبين ليس اعتباطياً، فلقد لاحظت أنه بعددٍ أقل من ستة لاعبين، ليس ثمة تناقل للكرة ويسهل فرض صلابة دفاعية. وبوجود سبعة لاعبين، وبغض النظر عن كيفية تموضعهم، هناك دائماً لاعب حر. يبدو لي أن ستة هو العدد المثالي للاعبين، لأنه يتطلب تركيزًا أكبر، وتكيفاً سريعاً مع كل حالٍ من أحوال اللعب، بحث عن مسارات تمرير سريعة وقصيرة، وتقديم المساندة، التدخل، اتخاذ القرارات، دون أن تكون قادراً على تجاهل ما يحدث أو حتى دون الشرود ولو لبضع دقائق.
مساحات الملعب هي كما رقمي 14، وهو ما يعادل على وجه التقريب نصف الملعب النظامي. القوانين بسيطة جداً، يجب ألا يمرر حارس المرمى الكرة أبداً بعد خط الوسط، يمكنه فوق ذلك أن يلعب، إذا أراد، بل يمكنه تسجيل هدف. هذا يجعل اللعبة أسهل ويجبر حارس المرمى على تعلم اللعبة واللعب بالكرة؛ ما يتيح له الاندماج في تطوّر كرة القدم الإبداعية. بهذه الطريقة، نناضل ضد نزعة وضع صندوق لحارس المرمى، والذي يشغل مساحة كبيرة ويقتصر لعبه على الركل إلى الأمام. الأمر يتعلق بلعب كرة القدم. إذا لم يكن الأمر كذلك، فسنضع رجلاً طويلًا وضخماً في المقدمة، أو شجرة كستناء في المقدمة، وهذا كل شيء، وليكن ما شاء الله. ولكن لحسن الحظ، بالنسبة لأولئك الذين يمارسونها وكذلك بالنسبة للمشاهدين، فإن الأمر لا يتعلق بذلك.
القانون الثاني: يجب أن تكون جميع الركلات الثابتة غير مباشرة دائماً. يهمني أن تكون الأخطاء أيضاً جزء من اللعبة، وليس ليبرزوا لنا كيف يضربون الكستناء <أي يصيبون الهدف>. يمكنهم تدريب هذا التكنيك لاحقاً، إذا أردت وكان لديك الجودة، فسوف تتحسن بمفردك. الأمر المثير للاهتمام هو أنه حتى في الركلات الحرة يجب عليهم التفكير واتخاذ القرارات، وابتداع واختراع حركة. بالمناسبة، بالحديث عن الركلات الثابتة، عندما كنت مدرباً لبرشلونة، أتذكر أننا كنا نلعب بمعية كومان أو ستويتشكوف لا أن نسجل – كان ذلك سهلاً للغاية – ولكن كي نضرب العارضة أو أحد القائمين بالتحديد للزيادة من دقة التسديدة، وكنا نقوم برهانات بالطبع. كل تسديدة، خمسة آلاف بيلاس، والدفع كاش.
في كرة الشوارع، أنا مهتم بأن يكون الخطأ غير مباشر بحيث لا يتوقف اللعب ويستمر، فيصبح الإيقاع أعلى. وأخيراً، القانون الثالث: بعد ثلاث ركلات زاوية <هناك> ركلة جزاء، لتتمكن من ممارسة نوعين من الألاعيب وإضفاء المزيد من التنوع والحماس على اللعب.
*<ربما يقصد بعد 3 ركلات زاوية تحتسب على الفريق المدافع ركلة جزاء>.
الفصل الرابع
أكثر ما يشدني في مهنة التدريب هو أنها تمنحك إمكانية استخراج أقصى ما لدى جودة الفرد الفنية. هذا أشد ما أحبه. يبرز أحدهم بالتكنيك، وآخر ضارب رأسيات بارع، وآخر يسدد من خارج المنطقة، وآخر سريع على الأطراف، ولكن كيف يمكنك استغلال كل هذا التنوع في الخصائص وتوجيهها معاً إلى هدف مشترك؟ اليوم، مع ذلك، يبدو أن الجميع يقومون بذات الشيء. فينتهي بك الأمر تلقائياً إلى إيذاء جميع اللاعبين لأن الجودة هي ظاهرة فردية. لا يمكننا أن ننسى أن كل شخص يعيش كرة القدم بطريقته الخاصة ويتمتع بأمور معينة ويقوم بأشياء مختلفة. وهذا على المدى الطويل يقلل من مستوى الجودة وتنوع الأساليب، وتبعاً لذلك سيؤدي إلى إفقار العرض وإضعافه.
لا يوجد حالياً إلا عدد قليل من اللاعبين ذوي الجودة العالية. برأيي أن المشكلة -كما قلت من قبل- هناك ضعف في التكنيك ولكن، مضافاً إلى ذلك، هناك القليل من الحب للفن. يبدو أن كُثراً مهووسون بإقناعنا بأن كل شيء موجود في الكتاب؛ كيف يجب عليك الجري للدخول والقفز، كيف تتراجع، أو تتحكم بالكرة، كيف تسدد ركلة حرة أو ركلة ركنية … حسناً، أنا متمرد على كتالوج/دليل التعليمات للاعبي كرة القدم لأنني أعتقد أن كل فرد مختلف ولذلك، لديه شيء مختلف. أساس الأمر هو أن الأطفال يستمتعون بلعب كرة القدم، وليسوا كارهين لها، ويرون جودة ذلك الطفل الذي يمكنه الوصول إلى القمة كاستثمار في المستقبل، كإمكانية للانتفاع بها لاحقاً.
قبل بضعة أشهر، كي نورد مثالاً، تقرر في هولندا أن يكون لكل فرق الهواة مدرب مؤهل. عندما سألوني ما رأيك بهذه الخطوة يا يوهان؟ لم يسعني إلا قول: كارثة. لماذا؟ حسناً، لأن هذا المدرب لا يفعل شيئاً سوى تطبيق ما يقوله كتاب الدورة. لما لا نسمح للأولاد الأكبر سناً والذين يلعبون ويعشقون كرة القدم بالتعليم في الفئات الدنيا؟ أولئك الذين -عطفاً على نقلهم للفنيات- سينقلون أيضاً الحب والاحترام لكرة القدم وتفاصيلها.
ماذا يفعل المدرب المحترف المرخص؟ حسناً، الشيء المنطقي هو: محاولة الفوز بأي وسيلة كي يتسلق السلم فيصبح مهووساً بالنتيجة لأنه يتعين عليك أن تكون جديراً كي تترقى. وبالمناسبة، يبدو لي أنه من الصواب ترك إدارة الفرق في أيدي مدربين محترفين في سن معينة. لكن من سن أربعة عشر عاماً، وليس قبل ذلك! دعهم يلعبون، اللعنة! دعهم يستمتعون! وبالطبع، لست الشخص الأفضل للحديث عن ذلك، لأنني تجاوزت بمكر تلك القناة التنظيمية وتمكنت من التدريب بدون رخصة، على الرغم من اضطرارنا لابتكار منصب “المدير الفني” لذلك.
من ناحية أخرى، أعتقد أنه من الجيد منح بعض الاستثناءات. ففي هولندا، على سبيل المثال، يحظى اللاعبون الذين تميزوا بسجل حافل كمحترفين بتسهيلات معينة كي يدربوا، وهو ما يبدو منطقي تماماً.
الفصل الخامس
الخطأ الكبير الذي يرتكبه العديد من المدربين، من الناحية النظرية على الأقل، هو اعتقادهم بأن الأطفال ذوو 7 أو 8 سنوات لا يريدون الفوز. إنه خطأ فادح، <الأمر مخالف للواقع> لدرجة أنهم يريدون الفوز! بل أكثر بكثير من البالغين! لأن الأطفال لعينون أكثر، وأحياناً أشد قسوة أيضاً. لك أن تعود بذاكرتك للطفولة، وتتذكر إن كان لديك صديق مقرب ولكنه كان سيئاً جداً في اللعب، وعندما تنظم مباراة في الشارع، فلن تضمه أبداً ليكون في فريقك. فيما ستختار اللاعب الجيد للعب معك عوضاً عنه، حتى ولو كان ألد أعدائك أو كان طفلاً لم تك تُكنّ له محبة كبيرة. وبعد المباراة، ستعود واللاعب السيء أصدقاء مجدداً، لكن خلال المباراة فقد تحالفت مع الأفضل. أليست هذه رغبةً في الفوز؟
ولذلك، ما يجب تعليمه للأطفال هو الاستمتاع واللعب والإبداع والابتكار واستغلال خصالهم عبر تقويم مساوئهم دون إفساد محاسنهم، أي، بالضبط على العكس تماماً ممّا يريد الجميع -هوساً- غرسه فيهم. ذلك لأنهم فعلياً عمليون للغاية، وهم أول من يرغب بالفوز.
أنا أتحدث هنا عن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و 8 سنوات، لأنك فيما بعد، كلما اكتسبت الخبرة واتسعت وجهة نظرك، فسيكون لديك المزيد من الحجج لفهم أسباب الخسارة. ولهذا السبب من المهم بمكان أن تحظى بمدربين يصيبونك بعدوى الاستمتاع وحب الفن، لا الجوانب الأقل استحباباً أو الأكثر تضحية في اللعبة، بل جانبها الأكثر إشراقاً وإثارة.
لم يعد هذا هو الحال اليوم لسوء الحظ. يجب أن نعود إلى جذور كرة القدم، إذ أن الأصول تخبرنا أن كرة القدم هي تكنيك في الغالب، ولهذا السبب لُعبت، وأن هذه الرياضة الرائعة تم ابتداعها للاستمتاع، ومن هنا توافد المشجعون، لا من أجل الركض بدون إيقاع وسبب أو الركض من أجل الركل.
أكثر الأسلحة فعالية في لعب كرة القدم هي مجموع التكنيك والفطرة السليمة. أما التكنيك فيتعلمه اللاعب في صغره. كثيرًا ما أُسأل: كيف يمكننا غرس هذه المفاهيم الفنية في الفئات السنية وما بين الأطفال الذين ما زالوا قادرين على التعلم؟
أتذكر أنني عندما كنت مدرباً لأياكس، كنت أذهب أحياناً لتدريب الأطفال البالغين من العمر عشر سنوات، ولكن ليس في الملعب وإنما في مواقف السيارات. لماذا؟ حسناً، لأنك في مواقف السيارات ستتعلم الكثير. إذا كنت تلعب في مسطح نجيلي، من ذاك العشب الأخضر الرقيق المثالي والمتوفر بكثرة في هولندا، وحدث إن اصطدمت بلاعب وسقطت على الأرض، فلن يحدث شيء، ستنهض وهذا كل شيء. أما في مواقف السيارات، في المقابل، إذا اصطدمت بلاعب وسقطت على أرضية خرسانية فستؤذي نفسك، وستجرح نفسك، وستتألم، بل وأحياناً ستنزف.
لذا عليك أن تكون متيقظاً وتتعلم التحرك بشكل أسرع، وتقرر بسرعةٍ أكبر ما يجب فعله بالكرة أو كيف تتحرك بدون كرة. بهذه التفاصيل الصغيرة لأي حصة تدريبية أنت تقوم بالفعل بتكييف جانبين أو ثلاثة جوانب هامة جداً في اللعبة: التموقع، والتحكم بالكرة، والسرعة، والتركيز. وعلى المدى الطويل، كل هذا سوف يخدمك وسيكون له تأثير مباشر على أداءك في الميدان، وبالتالي على الأداء العام للفريق.
عندئذٍ، بمجرد تغيير شيء بسيط مثل مكان التدريب من مسطح عشبي إلى مواقف السيارات، وإدخال ظروف التضاريس الوعرة وغير اعتيادية، فإنك تعزز التوقع/الحدس والسرعة.
ستتعلم الوصول أولاً، وستطلق الكرة باكراً، وستمرر الكرة بسرعة. باختصار، أنت تقوم بتدريب ثلاثة تصرفات في آنٍ واحد. واللاعبون الأقوياء والضخام ربما لم يتدربوا على هذه التفاصيل أبداً.
لكن لاحقاً، عندما نكون في سن 18 عاماً وفي مباراة تنافسية، سيكون الاختلاف بيني وبين الرجل القوي هو أنني أعرف كيف أتوقع، وأفاجأُ <الآخرين> بالسرعة، وفي النهاية، أفكر بشكل أسرع لأنه إبان مرحلة تكويني كان لدي فرصة العمل على هذه الجوانب التي قد تبدو ثانوية ولكنها أساسية في لحظة الحقيقة.
في مسيرتي المهنية كمحترف، أنقذتني هذه التفاصيل في العديد من المواقف. فحين كنت لا أزال طفلاً، طورت التكنيك في التدريب لأتمكن من استغلال موهبتي بشكل أفضل والتغلب على وهني وضعفي البدني بالمقارنة باللاعبين الأضخم، هم أضخم فعلاً ولكنهم أبطأ كذلك. وهذا لا يعني أني تدربت أكثر، ولكني استفدت أقصى استفادة من التدريبات.
لم أزل معتقداً بأن لكل عيبٍ مزايا. فإذا كنت قصيراً، يجب أن يقظاً أكثر. وإذا لم أكن قوياً، فيجب أن أكون أكثر ذكاءً، ليس لدي أي خيار آخر. الأمر الشائن هو أن الشباب الذين يمتازون بالإبداع والتكنيك يُستبعدون، لذلك عددهم يقل ويقل، ومن ثمة يصعب العثور على لاعبين من نوع أيمار أو سافيولا على سبيل المثال.
في ذلك يجب أن ننسب الفضل إلى ماركو فان باستن، -لاعب من الصف الأول اضطر إلى الاعتزال بسبب الإصابات، بكل خبرته المتراكمة ومكانته- حيث قال: “في رأيي، إن كان قد دربني عشرة مدربين، فأحدهم علمني شيئاً، وثلاثة لم يفسدوني، وستة منهم حاولوا تدميري”.
أما أنا في المقابل كنت محظوظاً جداً لوجود مدربين يقدرون كرة القدم. وعلى الرغم من أني لم أمتلك القوة البدنية لتنفيذ ركنية بشكل جيد، إلا أنهم وضعوني دائماً في الفريق. وبسبب بنيتي، لم أتمكن من التسديد من خارج منطقة الجزاء. كانت كارثة، الكرة لا تصل إلى المرمى. ولكن نتيجة لذلك فقد مدوا يد العون، وحاولوا مساعدتي في التغلب على محدوديتي، إذ أضافوا حصصاً لبناء العضلات في تحضيراتي، ولكن قبل كل شيء، قاموا بتحفيز السرعة دون إساءة استخدام لهذه التمارين أيضاً.
اليوم، يدعي الكثيرون أنهم يستحقون ذلك، لكن القليل منهم يستطيع إثبات ذلك. لم يمسوا جودتي أبداً وهذه هي الطريقة التي تعلمت بها أهم شيء لأصبح مدرباً لاحقاً: لست مضطراً أبداً أن تمسس جودة شخص ما. إذ نعمل في التدريب على التعديل، بل وبجرعات صغيرة منها. اعتمدت في مسيرتي التدريبية بالكامل على تحليل كل لاعب بعينه، ومن هنا، نعمل على جودته وأن يكون لهذه الجودة تأثير إيجابي على أداء الفريق وعلى العرض.
اترك تعليقًا