برايتون دي زيربي .. فن كرة القدم أولاً

طيور النورس تُحلق نحو الخيال

يبدو أن المدينة الساحلية جنوب لندن قُدر لها أن تشاهد فريقها يلعب كرة قدم جميلة، فمنذ إعلان الإنجليزي جراهام بوتر مدربا للفريق في مايو 2019 قادماً من سوانزي و الفريق يقدم مباريات رائعة استطاع من خلالها أن يكون نداً شرساً ليس فقط لفرق وسط الجدول، ولكن مواجهة برايتون لم تكن مهمة سهلة حتي أمام الكبار في إنجلترا.

طائر النورس تميمة برايتون منذ 1975

بعد رحيل بوتر إلى تشيلسي تعاقدت إدارة برايتون مع الإيطالي روبرتو دي زيربي، قدوم روبرتو كان بمثابة الخبر السار لمحبي كرة القدم الجميلة. ما قدمه مع فِرقه السابقة شاختار و ساسولو تحديدا كان مُلفتاً، الإيطالي متيم بالكرة التي يقدمها بيب جوارديولا و يري أنها شيء لا يمكن الوصول له، فيرى أن برشلونة بيب هو أعظم فريق شاهده في الأربع عقود الأخيرة.  ذهب لمشاهدة تدريبات بيب مع بايرن في الفترة التحضيرية للفريق في 2013 عندما كان يبدأ مشواره التدريبي في الدرجة الرابعة مع بواريو. لا عجب أن بيب من المعجبين بفرق دي زيربي و أثنى في أكثر من مرة علي كرة ساسولو.

كرة برايتون مع دي زيربي استباقية تهدف للاستحواذ و تناقل الكرة واللعب، فيرى دي زيربي أن في الرغبة في عدم اللعب مخاطرة اكبر، كرة القدم لعبة الشارع التي أحبها الجميع ليس من أجل رفض اللعب ولكن لتناقلها.

“اتضح أن الناس لا ينفرون من المخاطرة لأسباب عديدة، فهم لا يعارضون المخاطرة، لكنهم يخافون الخسارة و يلعب خوفهم من احتمالية الخسارة دورا كبيرا في قرارهم”. 

دانيال كانيمان

يتحدث المدرب في فيديو سابق عن نية فريقه أثناء الحيازة وكيف يستخدم الكرة كأداة استفزاز لاستدعاء الخصم للضغط و إيجاد المساحات خلفه للعب فيها. بهذه الطريقة يرى دي زيربي الاستحواذ على الكرة وسيلة لسحب الخصم خارج تموقعه وليست الغاية الأسمى هي تناقل الكرة، ولكن اللعب التموضعي كوسيلة و تكيف في سياق معين وليس انتقال خطي من نقطة لاخري. كما تخبرنا حلقات الارتجاع أن كرة القدم نظام لاخطي و اللعب التمركزي الجيد سيفيد الفريق في الوقاية من استقبال اللعب و التحولات.

استخدام أسفل القدم في التحكم بالكرة هو محفز وإشارة تقنية تستفز الخصم للخروج والضغط على لاعبي برايتون.

التحكم بالكرة أسفل القدم لاستفزاز الخصم.

ينظر خوانما ليو للكرة نظرة كلانية وليست اختزالية، فالدفاع و الهجوم بالنسبة له شئ واحد لا يمكن فصلهما، أو أن يتواجد أحدهما دون الآخر. فالفريق عندما يمتلك الكرة يستعد لأن يفقدها، ولذلك من المهم التمركز بشكل وانتشار يتيح للفريق التعامل مع تلك الوضعية عبر الدفاع الوقائي سواء بالتغطية أو الرقابة بالاقتراب من خصمك، وهكذا في حالة خارج الحيازة الاستعداد لأن تستعيد الكرة في لحظة من الخصم ويكون هيكل الفريق مهيأ لذلك بتموقع أسرع لاعبيه مثلاً بشكل متقدم وهكذا.. هناك اختزال للمفاهيم حسب ليو فلا يمكن أخذ شئ خارج سياقه وإعادته مرة أخري وتتوقع أن تراه يعمل بنفس الآلية.

“لا يمكنك أن تفصل ذراع رافا نادال خارج جسمه وتقوم بتدريبه بشكل منفصل ومن ثم تعيده له مرة أخرى و تتوقع أن يعمل بكفاءة مع باقي أعضاء الجسم، بالمثل لا يمكنك أن تقوم بتدريبات جري بدون كرة و تتوقع أن تكون لاعب كرة افضل، بالطبع الجري شئ صحي و سيفيدك لكن بدون سياق لن يؤثر ذلك على لعبك للكرة إيجاباً.”

خوانما لـيو

برايتون فريق جيد متناغم، حتى منذ فترة بوتر الفريق يلعب كرة قدم جيدة، هل مع دي زيربي الفريق أصبح اكثر إمتاعا؟ أعتقد ذلك وإن كانت المسألة نسبية، لكن بالطبع الفريق يستحوذ و يتناقل التمريرات بشكل أكبر و شخصية الفريق أصبحت مختلفة، مهما كان الخصم ستجد ملامح واضحة و متكررة في أسلوب برايتون من حيث احتلال المساحات بشكل جيد في عرض الملعب والعمق ومنطقة إنهاء الهجمات، المجاوزات و البحث عن اللاعب الحر والرجل الثالث و مثلثات الاطراف التي تهدف للاختراق العمودي عبر الأجنحة، واستخدام المدافعين للكرة كأداة لاستدعاء ضغط الخصم و تموقع اللاعبين بمناطق مختلفة بحيث يفصل بينهم خصم ووجود 3 لاعبين علي خط قطري واحد وهي نمط شائع في كرة الصالات.

تمركز اللاعبين بشكل قطري، الظهيرالأيسر استوبينيان و المحور الثاني ماك أليستر و لالانا رقم 10.

إشارة جروس إلى إستوبينيان اللاعب الحر على الطرف.

من أكثر الاشياء الملفتة في أسلوب دي زيربي مع فرقه استخدامه للاظهرة في الحيازة حسب خصائصهم وحسب الخصم. أمام ليفربول كان الظهير الأيسر إستوبينيان هو اللاعب الحر أغلب الوقت بسبب هيكل ضغط ليفربول الضيق الذي يهدف لغلق مسار التمرير على كايسيدو المحور ومنعه من الدوران و التمرير العمودي وإيجاد لالانا حراً بين الخطوط، فكان يستخدم كايسيدو تمريرة عرضية لايجاد إستوبينيان كلاعب حر وينطلق الظهير الايسر بحثاً عن ماك أليستر المتمركز بشكل أعلى قطرياً مع كايسيدو أو مشكلاً مجاوزات مع الجناح ميتوما على الطرف الأيسر. باسكال جروس لاعب وسط في الأصل لكن دي زيربي يستخدمه كثيراً كظهير داخلي في عملية تدوير الكرة وسحب الخصم للداخل فيما يتمركز سولي مارش في الجناح الايمن منتظراً تمريرات قطرية و تغيير اللعب من اليسار لليمين من أجل الاختراق ووضعه في موقف 1 ضد 1 مع الظهير وخلق تفوق نوعي.

تموقع ماك أليستر بشكل قطري متقدماً عن كايسيدو مما يجعله خيار تمرير قطري للمدافع دانك. تضييق المسافة بين دانك و كولويل يجعل تمركز صلاح و جاكبو للداخل أكثر مما يجعل استوبينيان حراً و يتم الوصول إليه بلعبة الرجل الثالث عبر ماك أليستر.

في الضغط العالي حين قرر أرنولد الخروج خلف صلاح للضغط على إستوبينيان ترك خلفه ميتوما حراً على الطرف.

تحرك لالانا في المساحة خلف هيندرسون كلاعب ثالث بعد تمريرة كولويل لميتوما الجناح.

أؤمن باللعب والاستحواذ لأنه يقوي العلاقات بين اللاعبين في الملعب، هذا يعني علي سبيل المثال تثبيت لاعبي الخصم في مواقعهم ومحاولة خلق تفوق عددي في مساحات معينة في الملعب و تسهيل بعض التصرفات، أحب أن يستلم اللاعب الكرة بالقدم البعيدة ليفتح مجال رؤيته للملعب للأمام و يمرر بشكل عمودي .

خوانما لـيو

برايتون مع دي زيربي لم يصل لأقصى طموحه، حسب ما صرح المدرب أنه فقط وصل إلى 60 بالمئة من قدراتهم كفريق و كأفراد و أنه لم يتوقع أن يكون الفريق بهذه الجودة حتي لعب أول مبارياته ضد ليفربول والتي انتهت بالتعادل 3-3 حينها أدرك مدى جودة عناصر فريقه .. الايطالي يقول بأنه شخص يسعي للمثالية وهذا سبب أنه لا يستمتع بشكل كامل بنجاحاته فهو يسعي دوماً للتطور وإن كانت المثالية مستحيلة لكنه سيعمل حتى يصل الى أقرب نقطة لها.

كتب المقال، الصديق عبدالرحمن: @PEP42740065.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: