مقابلة مع أوسكار كانو، [مترجم]

“اكتساب المكانة والارتقاء في الرتب من خلال الأطفال هو إرهاب”: مقابلة مع أوسكار كانو مع صحيفة تريبونا إكسبريسو البرتغالية.

أوسكار كانو أجرى هذه المقابلة قبل قرابة السنة، يدرب حالياً ديبورتيفو وينافس على الصعود للدرجة الثانية، أحرص على قراءة كتبه ومقابلاته هو وليـّو وكانييدا، بوصفهم أناساً ينتهجون نهجاً إنسانياً في التدريب وخروجهم عن عباءة المكينة ليس وليد اللحظة ويمكن ملاحظته منذ سنوات.

ما يكتب بالخط العريض للمحاور…

إن نقطة استهلال الحديث مع المدرب البالغ من العمر 49 عاماً، والمولود في غرناطة، كانت حول فهم سبب دعوته لإلقاء محاضرات مع الطواقم الفنية لأكاديميتي سبورتنغ وبنفيكا. لمدة ساعة تقريباً، أوسكار كانو كان يفكر بصوتٍ عالٍ بعمق -فلسفياً في بعض الأحيان- عن كرة اليوم، بناءً وتفكيكاً للمفاهيم، كاشفاً الرذائل والفضائل في طبقات الفئات السنية كذلك: “لنتعلم أن الخطأ هو مخاض المعرفة،[كشف] عن إمكانيات تدخل جديدة.”

لماذا دُعيت للتحدث في أكاديميتي بنفيكا وسبورتنغ؟

كل من بنفيكا وسبورتينغ، ويترائى لي أنهما على صواب، يوليان أهمية كبيرة لتدريب مدربيهم. لذلك، أتصور أنهم ومع بزوغ نجم اللعب التمركزي، بدأوا يبحثون عن الأشخاص الذين حققوا في الموضوع، ومن وضعوا هذا النوع من كرة القدم موضع التنفيذ. هذا هو مكمن الدعوات باعتقادي. الحقيقة أن هذا يفاجئني أولاً وقبل كل شيء، ثم أعجبني بعد ذلك. لم أقم بذلك معهم وحسب، بل كنت أيضاً في فينيتسيا وبرشلونة. أجد هذا النوع من المفاجآت دوماً من قِبل الأندية الكبرى المنفتحة، التي تمتلك رؤية وانفتاح فيما يتعلق بالواقع والطرق الجديدة لرؤية كرة القدم، وفي المنهجية التدريبية. هذا إيجابي للغاية بالنسبة لي.

يتعلق الأمر بالتكتيكات أكثر من ارتباطه بالقيادة أو المفاهيم إذاً. موجه إلى اللعب التمركزي.

نعم، يتعلق الأمر باللعب التمركزي ومنهجيته. لا يبدو لي أنه من الصواب فصل العوامل التي تؤثر على الأداء لأنه ضمن منهجية المدرب، وضمن طريقة العمل، توجد القيادة ضمنياً أيضاً. فلا يمكن فصلهما. عندما تقوم بتعليم أنشطة تخص اللعب بطريقة معينة، وعندما تخطط للتدريب اليومي، ففي اتجاه التدريب ذاته أنت تمارس القيادة بطريقة أو بأخرى.

ما نوع الأسئلة التي تفضل أن تجيب عليها؟

يسألون عن كل شيء. وأشدد على أن مفاهيم اللعب التمركزي، وأن تعريف هذا النوع من اللعب والفكرة الكاملة التي تميز هذا النوع من كرة القدم، لها جذور في اللاعبين. لا أستطيع الحديث عن كرة القدم دون الحديث عن اللاعبين. بالنسبة لي، فإن اللعب التمركزي هي إينييستا ومن هنا سيتسنى لنا البدء في الحديث. أنا مؤمن بقوة باستحالة لعب أسلوبٍ ما دون أن يكون هذا الأسلوب ضمن ظروف اللاعبين وقدراتهم. لا أرى غير ذلك. في الواقع، يتحدث العديد من المدربين، بل الغالبية العظمى عن ذلك الآن، عن المفاهيم، التمركز، الأساليب، والغايات… دون الأخذ بالذين سيسمحون بذلك في الاعتبار. لا أؤمن بعالم ما بعد كرة القدم الذي يتحدث فقط عن المساحات التي ستُشغل، وعن الهياكل. لا يقال الكثير عن واقع كرة القدم، أليس كذلك؟ فهناك الكثير من الأكاذيب حول هذا الموضوع. يلتقط الناس صورة ويضعون مؤثرات وسهام وما إلى ذلك، بالنسبة لي كرة القدم ليست كذلك.

كيف يمكن وصف اللعب التمركزي؟

لوصف الكرة التمركزية، يجدر بنا التحدث عن اللاعبين، ما من طريقة أخرى لكي نصفها. لا يوجد تعريف أو تصور للعب التمركزي لأن المفهوم هو أيضاً اللاعب، والطريقة هي اللاعب، والتدريب هو اللاعب. التمرين، أو الفكرة، أو المفهوم لا يعني شيئاً إذا لم يكن اللاعبون. ما أستطيع تأكيده، لأنني عشته، هو ما تجلبه هذه الطريقة الجديدة في رؤية كرة القدم، من خلال أشخاص مثل خوانما ليـّو وباكو سيرولـّو مسؤول منهجية برشلونة، وبيب غوارديولا والعديد من المدربين، بالإضافة إلى غيرهم ممن هم أقل شهرة. وما يمكنني قوله هو أن ظهور هذا النوع من كرة القدم له علاقة بالإيمان بأن الموهبة تصنع الفارق. لقد تغير النموذج/البارادايم الذي تُبنى منه المعرفة، وأصبح أكثر تعقيداً وطبيعياً أكثر مع ماهية الحياة وكرة القدم، حيث يلعب اللايقين دوراً حاسماً. لقد علمتنا أنه لا يمكن التبشير بكرة القدم، وبأنها ليست آلية، ولا توجد أتمتة، إنها كرة القدم التي تُلعب. إنها كرة قدم التي تخضع للعلاقات بين اللاعبين الذين يلعبون. نعم، هذه الطريقة في الشعور باللعبة قد وُهبت لنا، وقبل كل شيء تلك الموهبة والتكامل هما ما يصنعان الفرق.

لكي أعرّف اللعب التمركزي، ينبغي أن آتي بالأوصاف المناسبة: بوسكيتس، إينييستا، مودريتش، بنزيمه. هناك الكثير من اللعب التمركزي في أندية أخرى غير برشلونة. يعتقد البعض أنه موجود هناك فقط، وليس الأمر كذلك، فهناك فرق كانت بعيدة كل البعد عن تلك الفكرة في السابق مثل ليفربول، لدى ليفربول العديد من المفاهيم حول هذا النوع من كرة القدم، لأن فان ديك، وألكسندر أرنولد، وتياغو، وصلاح، وماني، يلعبون هناك… في النهاية، هم الذين يعرّفون ويحددون الأمور. لقد تحدثت مع مدرب برشلونة فئة ما دون 14 أو 15 عاماً وأخبرته أنني لم أرَ في السنوات الثلاث الماضية كرة أفضلَ أو أكثر جمالية ولا أكثر طبيعية وعفوية مما أظهر ريال مدريد في الشوط الثاني ضد إشبيلية. أتحدث عن كارلو أنتشيلوتي واللعب التمركزي ويبدو أنهما متناقضان، أليس كذلك؟ لا، ليس كذلك.

يبدو اللعب أشبه باللاعبين في ريال مدريد.

أعتقد أنها مسؤولية كبيرة للمدرب، ولا أعرف لماذا لا يُعجَب الناس بهذه الكرة. لدى المدرب مرض اسمه “الأنا”، أليس كذلك؟ يبدو أن المدربين الذين يقومون بالميكنة، والذين تتمتع فرقهم بأسلوب قابل للتمييز، هم أكثر من نحب. هم أقل من أفضّل. في مؤتمر هنا لنادٍ إسباني، قلت بأن التحدي الأكبر للمدرب هو تحسين العفوية. هذا يعني أنني أحب الفرق التي تلعب بشكل عفوي. في الآونة الأخيرة، أرى الكثير من حركات لاعبي كرة القدم التي تفتقر إلى التوقيت والتوافق مع الآخرين، أي أنها كرة قدم ميكانيكية، كرة المدرب، إنها كرة قدم اصطناعية، ليست كرة قدم طبيعية. لدينا التزام، كمدربين، بأن تكون هناك كرة قدم لها علاقة بالقدرات العفوية للاعبين. يمكننا القيام بذلك باعتقادي. هناك شيء واحد يغريني كثيراً وأنا أفكر بفعله إذا مُنحت الفرصة في نادٍ كبير، وإلا فلن يكون ذلك منطقياً، ألا وهو توجيه المنهجية في هذا الاتجاه. لا أمانع الابتعاد عن مقاعد البدلاء لسنتين أو ثلاث سنوات لأبرهن أنه من خلال منهجية معينة – وسيكسب مالكو الأندية المزيد من المال – سيكون للاعب قيمة مضافة مستمدة من تحسين العفوية والإبداع.

تحدثتَ في السابق عن ميكنة كرة القدم. هل فقد اللاعب دور البطولة؟ غالباً ما يلقى اللوم علينا أيضاً، كقولنا برشلونة غوارديولا، الفريق دائماً فريق المدرب. لكن يبدو أننا نعيش أحياناً ديكتاتورية التنظيم والصرامة أليس كذلك؟ غدت المباريات متشابهة.

نعم، تشاهد المباراة وتبدو كالبقية. راق لي المصطلح الذي استخدمته. إنها دكتاتورية، دكتاتورية المدرب، المتلهف لإجلال هيبته. مكانةُ هيبة المدرب هذه الأيام تواجه واقع وحقيقة كرة القدم. لدينا – وهذا ليس ما يقوله أوسكار كانو، بل ما يقوله علماء الأعصاب – لدينا خلايا عصبية وهذه الخلايا العصبية لها خاصية اللدونة. أي أنها ليست ثابتة، وهم يقرون بهذه اللدونة. من خلال هذه اللدونة لسنا كائناتاً أحادية البعد، وإنما منفتحون على التجربة والتعلم. من السخف معاملة اللاعب كإنسان آلي. الإنسان معقد وهناك الكثير من العوامل التي تؤثر على تشكيل هويته. نحن، قبل أي شيء، كائنات متعددة الأبعاد. التدريب الذي يتعارض مع ما أقوله ليس معقولاً أبداً.

ثمة ما يثير الفضول: نسبة منخفضة جداً من الأهداف والفرص تنجم عن هذه الأنماط الميكانيكية. ما يتبدى لنا وما يظهر بوضوح، وبالتالي، ما يلاحظه الناس، سيبدو واضحاً أيضاً للفرق التي يتعين عليها الدفاع [ضد تلك الأنماط]. يعتمد مانشستر سيتي وليفربول وبرشلونة على شيء غير موجود في السيناريو، هكذا تُسجَل الأهداف. إنها القيمة التي يتمتع بها بنزيمة، مودريتش، فيل فودين، مواطنك برناردو سيلفا، بيدري، ساديو ماني، مو صلاح، تياغو… الخطر كل الخطر يحدث عند الخروج عن النص والسيناريو. ألا يثير الفضول! صحيح أن هيكلاً أو تمركزاً محدداً يسهل على اللاعبين التعبير عن قدراتهم، ولكن ليس بسبب الموقع. يجب أن نتحدث عن الأسماء الأولى، لا يتعلق الأمر بالمركز، بل يتعلق بمن هناك وبمن بالجوار. أي مع من سأتفاعل حتى يحدث هذا؟ هاك أمر آخر: نظن أن اللاعبين لديهم مهارات يستطيعون التعبير عنها بغض النظر عن كيفية التفاعل. أعتقد أنه إذا كانت لدي قدرة ولديك قدرة أخرى، فإن تلك القدرة في بيئة اجتماعية مثل كرة القدم فلا يمكن لها أن تبرز وتتفوق إلا بالاتصال بالآخرين، لأنها رياضة جماعية. اللاعب بحد ذاته ليس له قيمة. كل مايستطيع فعله سيظهر من خلال التعاون مع لاعبين آخرين يسمحون له بالتعبير عن نفسه بهذه الطريقة.

خطرت لي محادثة بين خوليو فيلاسكو ومدرب الأرجنتين لكرة سلة: لاحظ [فيلاسكو] أن اللاعبين يعتقدون أحياناً أن النظام والتنظيم يكبحان الموهبة. يعتقد أن العكس هو الصحيح.

يجب أن نعيد تعريف النظام والتنظيم. تبادل المراكز الذي رأيناه يومئذٍ في مباراة ريال مدريد-إشبيلية هو عبارة عن لاعبين لا ينظرون إلى مقاعد البدلاء، ولا ينظرون إلى المدرب، كان تدفقاً، كان لعباً. لدي ابن يبلغ من العمر 17 عاماً ومثلك يعلم أن لديهم مفردات مختلفة عن مفرداتنا، ولكن هناك كلمة تسحرني: التدفق. وتلك كرةُ قدمٍ تتدفق. عندما ترى فريقاً يتدفق، هدير لا يتوقف، فلا أحد يفكر في المكان الذي يجب أن يكون فيه، لا أحد يفكر بل يشعر، هم يلعبون… لا يمكن إيقاف ذلك. هذا نظام. الفوضى، أو الفوضى الظاهرة، هي شكل سامي من النظام. ما حدث هو أن هذا النظام قد تقلص إلى ما تطوله يد التحكم، وهذا أمر مختلف: هذا ليس نظاماً، إنه تحكم. إن تنظيم مجموعة من اللاعبين شيء، وهو تنظيم بحد ذاته؛ النظام دائماً ما يُميز بشيء لا يمكن قياسه أو إثباته، بل حدسه أو استشعاره. إنه شيء لا يستطيع العلم تعريفه، إنه التدفق. عندما أدرب، فإن شاغلي الشاغل هو خلط اللاعبين حتى أجد هذا التدفق، وهذا يسمح لي أن أكون أقل كمدرب، ولا أعطي الكثير من التعليمات، وألا أكون متطفلاً اقتحامياً على أساس يومي. حالياً أصبح المدرب -وا أسفاه- شخصاً يقدم المعلومات ويصدرها. وهذا ليس تدريباً، كرة قدم ليست كذلك. نحن نتواصل: أنا من خلال الكلمات، لأنني لا أستطيع اللعب، وهم من خلال التصرف والسلوك.

بالعودة إلى كرة القدم للشباب. يدخل الأولاد مدارس كرة القدم وأكاديميات الأندية في وقت مبكر جداً، ولا يلعبون في الشارع ولا يلعبون إلا قليلاً أو لا يلعبون أبداً في المدرسة: أسوأ ما يمكن أن يحدث لهم هو اللحاق بمدرب طموح ويريد أن يصبح مدرباً بشدة؟

نعم. اكتساب المكانة والارتقاء في الرتب من خلال الأطفال هو إرهاب. لقد قُضي على الشارع. أمر يبعث على الفضول، تندر الموهبة شيئاً فشيئاً لأنه لا يوجد شارع… دعونا نتذكر كيف كان شكل الشارع: هناك فريقان بدون قواعد، يختارون اللاعبين، لم يكن هناك كيان خارجي، مدرب في هذه الحالة، والذي يحدد كيف سيلعبون هناك. اللافت للنظر أن شيئاً متأصلاً في الكائنات الحية والأنظمة ممنوح هناك: التدريب الذاتي والتكوين الذاتي. أي أنهم لا يحتاجون لأي أحد لتكوين العلاقات. فعبر اللعب، وبمرور الوقت، ينظمون أنفسهم، وبطريقة ذكية للغاية، بناءً على أين ومع من يمكنهم تقديم أفضل أداء. تذكر: في المرمى يقف الأقل إمكانيات أو الأكثر قدرة على أن يكون حارس مرمى؛ نضع الأفضل دائماً في أكثر الأماكن حسماً؛ كل من كان مراوغاً، تلقائياً ودون أن يشير أي شخص إلى ذلك يلعبون في الطرف، حيث يكون تركز اللاعبين أقل هناك. بالنسبة لمدارس كرة القدم، فإن أحد الجوانب التي كنت سأعمل عليها، إذا أتيحت لي الفرصة يوماً ما، هو اللعب الحر بقدر معين من الوقت. عندما أقول لعب حر، يكون المدرب حاضراً وحسب. دعهم يلعبون، دعهم ينظمون، دعهم يتحدثون، دعهم يضعون القواعد. أنا مقتنع تماماً أنهم -بطريقة العمل هذه- سيعلموننا كيف يبنغي علينا تنظيم ما يتعين علينا تنظيمه. لا توجد أداة أكثر قوة، أو أداة تقدم معلومات أفضل للمدرب، من مشاهدة لاعبيه وهم يلعبون بحرية.

طرحت هذا السؤال لأنني رأيت مدرباً يوقف حصة تدريبية ليخبر صبياً في العاشرة من عمره أين يجب أن يمرر الكرة. أو مدرب آخر لم يسمح له بالسيطرة على الكرة بباطن قدمه. هل الحرية والإبداع في خطر؟ نحن لا نخلق الناس خائفين من اللعب كما تعلم؟

تماماً، تماماً. وأزيدك من الشعر بيتاً، هذا النوع من المدربين لديهم قاسم مشترك: فهم أشخاص معقدون أو، كأطفال، لم يُسمح لهم بالسعادة والحرية. إنهم مدربون لا يفهمون أن الحرية هي التي تجعلك مسؤولاً. فقط حين نكون أحراراً يمكننا التعرف على الحرية في الآخر، ويمكننا ربط الحريات. فقط من خلال كوننا أحراراً يمكننا أن نعبر عن أنفسنا كما نحن. من هنا يمكننا تحديد ما إذا كانت قدراتي وقدراتك يمكن أن تكمل إحداهما الأخرى بأية طريقة، وللعب كرة القدم بأفضل صورة. أي أنه بدون الحرية لا يوجد اعتراف بالآخر، لا يوجد تقدير للزميل.

اسمع، لدي صداقة كبيرة مع تشافي هيرنانديز، بدأت في قطر عندما كان يلعب مع السد وطلب مني أن أكون جزءاً من طاقم فريق تحت 19 عاماً، وهذا ما حدث. كان ذلك شرفاً لي. حسناً، ما أدهشني كثيراً، كثيراً جداً، في العديد من المحادثات التي أجريناها -بجانب كرة القدم ومفاهيمها- كان الإعجاب الذي تحدث به عن زملائه في الفريق. هذا الإعجاب، بالطبع، له صلة بالعلاقات عالية الجودة. في كرة القدم، لا تحدث العلاقات عالية الجودة في حفلات الشواء أو في التجمعات، بل تحدث على العشب. كيما أتمكن من إخراج أفضل ما في جعبتي، أحتاج أفضل ما لديك، هي نتيجة هذا الادراك. كان يدرك تماماً أهمية بوسكيتس لكرته. كان يدرك ضرورة تحرك زملائه بشكل جيد حتى يتمكن من إظهار هذه الصفات العالية في التمرير. هذه خلاصة الأمر، لن يحدث أي من هذا إلا إذا كان اللاعب حراً. كيف يمكنك التعرف على شخص ما إذا لم تتصرف بحرية، إذا لم تتصرف بدون ضغط؟ يستحيل أن تتعرف عليه. بناءً على هذه المعرفة، سنرى الروائع من الفرق: يبدأ اللاعبون في تقدير بعضهم البعض، ويبدأون في رؤية التطابق الموجود بين قدرات البعض وبين قدرات الآخرين. فيبدأون في استدراك مدى ضرورة الآخر بالنسبة لي كي أفعل ما أجيد فعله. إننا نتحدث عن القيم! كل هذا له طبقة أعمق، وهي القيم، مثل المسؤولية والتعاطف، التي تجعلني أضع نفسي في مكان الآخر لأنني أفهم الآخر وأعلم أنه هام بالنسبة لي والعكس صحيح، فنتضامن عند اللعب. كل هذه القيم مهمة جداً في المجتمع، وبالطبع في فريق كرة القدم.

حتى في المدرسة، عندما لا نعرف أي شيء عن الحياة، يُكتسب الاحترام وفقاً لنوع اللاعب الآخر.

أكثر الموهوبين، وأكثر المبدعين، يقفزون من المعادلة ويزيلهم المدرب لأنهم يمتلكون ذلك الإبداع الذي يتجاوز السبورة (اللوح التكتيكي). لذا، ما يريده المدرب هو أن يكون فريقه واضحاً قابلاً للتمييز، أن يكون فريق أوسكار كانو، أن يكون فريق بيب غوارديولا، وأن يكون منحوتاً. أقصى ما نملك هو تحديد ما يمكن أن يحدث وأن نمنح المساحة للتعبير، أي التدريب وتقديم سياقات لفرص [التعلم]، تقديم تلك الفرص من خلال تمارينك وتدريباتك لِما قد يمكن إظهاره.

أتخشى أن يخسر لاعبون مثل ريكوبا أو ريكيلمي مكانهم في كرة القدم هذه؟

أنا ممن يقولون أن هناك الكثير من بيدري. كثير! يوجد في العالم الكثير، يبدو أنهم فريدون، هذا لأن القليل منهم يصل إلى النخبة، ولكن هناك الكثير منهم. في أي قرية، مدينة، حديقة، هناك بدري محتمل، ريكيلمي محتمل. علينا أن نبدأ في التنبه إلى أن هذه الموهبة المذهلة هي شكل أعلى من أشكال النظام. وهذا يعني أن الفرق يجب أن ترتب وتنظم نفسها من خلال هذا النوع من اللاعبين الذين يثرون الآخرين. أولاء لاعبون يسمحون للآخرين باكتشاف موهبة معينة لم يعلموا بأنهم يمتلكونها. لديكم لاعب عظيم ألا وهو بيرناردو سيلفا: لاعب بطول 1.70 متراً و يزن 70 كيلوغراماً، هو نظام يسمح لدي بروين التعبير عن نفسه بشكل أفضل، ليعبر جواو كانسيلو عن نفسه بشكل أفضل، ويعبر محرز عن نفسه بشكل أفضل، ولستيرلينغ ليعبر عن نفسه بشكل أفضل… رأينا برشلونة مع بيدري وبدون بيدري، وأنا ممن يقول عندما يلعب بيدري يبدو اللاعبون المتوسطون جيدون. فسيُهيمنون ويتلاحمون ويولدون بحضوره تلك الديناميات، بوقفته وفهمه للجميع يترتب ويجد اللاعبون مواقعهم. هؤلاء اللاعبون رائعون برأيي، فهم يسمحون للآخرين بأن يكونوا أفضل.

لكن ألا تخشى أن يفقدوا مساحتهم؟

إنهم يفقدون دور البطولة لأنهم لا يخضعون للقواعد الموضوعة مسبقاً. هم أرواح حرة. أرواح حرة مباركة، كلا؟ ومن المثير للاهتمام أننا نتركهم على مقاعد البدلاء ونريدهم بسرعة عندما نخسر مباراة. يا للطرافة.

كنت أتحدث مؤخراً عن كرة القدم القابلة للتمييز. في مقابلة مع ناغلزمان أو ربما توخيل، قال أحدهم أن اللاعبين أنفسهم يطلبون المزيد من الإجابات. أنحن ندرب أناساً أقل قدرة على حل المشاكل أم أنه تطور طبيعي؟

إنه التيار. عندما تسمع أشخاصاً مثل تشافي يقولون بأنهم عُلِّموا لعب كرة القدم، نحن أذكياء ومؤذون، نحن المدربين، فقد صورنا للاعب أننا علمناه لعب كرة القدم. هذا إرهاب من نوعٍ رفيع. إننا نعلم اللاعب في اتجاه غير صحيح، ونصرّ على جعلهم يعتقدون أننا نملك إجابات. يسأل اللاعب عن إجابات لأن طريقة التعليم غير صحيحة، يجدر باللاعب إعادة التعلم والبدء في الإدراك أن لديهم الإجابات والأدوات، أما نحن فلا نلعب. على الأكثر يمكننا إخبارهم أنهم يعرفون كيفية فعل شيء نحدس أنهم يعرفون فعله، لكنهم هم الذين يعرفون كيفية فعل ذلك، المعرفة ملكهم. نحن كواشف للمعرفة، من يعرف كيف يلعب هو اللاعب. خطة (اللعب) بشعة للغاية، سخيفة جداً ومفزعة، حتى أني أشعر بالأسف على نفسي وأريد البكاء عندما تنتهي المباراة. يجرون مقابلة مع اللاعب ويتحدث كما لو كان المدرب، مردداً عباراتَ مدرب. والمدربون يهلوسون معهم، هذا أمر رائع بالنسبة لهم “انظروا ما يعرفه عن كرة القدم”. بالنسبة لي، إنه أمر مروع، مروع. ليس على اللاعب أن يعرف كيف يصف اللعب، عليه أن يعرف كيف يلعبها.

منذ وقت ليس ببعيد قلت أن الكوارث لا نهاية لها، وأن التخصصات تقتحم هجوماً على كرة القدم، وأن كل شيء أسوأ. عمَّ كنت تتحدث؟

ليس له نهاية لأنها ليست مبارزة. لأنها ليست مصارعة. لأنها ليست رياضة أقلية غير جالبة للمال والعاطفة. المال والأعمال شغف الناس. نتحدث عن شيء يتجاوز كرة القدم. ما يفرض الآن هو أيديولوجي للأسف: كل شخص يجب أن يمتلك أيديولوجية على ما يبدو. كلا، لدي هوية، وهذا شيء مختلف. تسمح لي هويتي بالنمو والتخلي عن الأفكار اعتماداً على المدخل وعلى الخبرة. “إيديولوجيتي هي الرغبة/الإعجاب قبل أن أرى”… هذا خطر! التأدلج هو الانتماء إلى حزب سياسي والتشبث به ومحاربة كل ما لا يماثل ما يعجبني أو ما أؤمن به، فنرتكب ظلماً لأنها نماذج مغلقة. تغلق الأيديولوجيا ما هو منفتح بالطبيعة، ألا وهو عقلنا، فتحدد لنا نهجاً واحداً، واتجاهاً واحداً. كما يتضح ثمة شغف هنا، ما يهم الناس في سبورتنغ أو بنفيكا أو بورتو، من الريال أو برشلونة هو أن يدافعوا عن ألوانهم وأفكارهم حتى الموت. وهذا يولد عاطفة وشعور وحس سليم أقل، وعندما ينخفض الحس السليم، تبدأ التجارة/الأعمال. وبما أن هنالك تجارة/أعمال، وكرة القدم تحقق قيمة اقتصادية مذهلة، فبالتالي سيبدأ الأشخاص الذين لا ناقة لهم ولا جمل بكرة القدم في الدخول والاستحواذ على كرة القدم. يربح الوسطاء والوكلاء أموالاً أكثر من جل المدربين واللاعبين دون أن يلعبوا. ثم المتخصصين باختلاف تخصصاتهم. يظهر العلم ويحاول أن يخبر المالكين أصحاب الأموال، أن هناك طريقة للتحكم في اللعبة، أن هناك طريقة لقياس اللعبة، بينما هي زائفة كلياً. أنا أؤمن بالعلم، بالطبع أؤمن بالعلم، لكن بالعلم الذي يأخذ عدم اليقين في الاعتبار.

بالأمس كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء وأخبرني أن تضاعف عدد الإصابات له علاقة بعامل يسمى الشد stress: “اللاعب يلعب كثيراً”. وأنا أختلف، فاللاعب يتدرب بشكل سيء وبكيفية تخالف ماهية اللعبة. لا يقوم اللاعب بالتدرب على اللعبة، لذلك عندما يذهب للعب يُدرب على مهاراته الحركية، على عكس ما سيفعله لاحقاً في المباراة. إذا كان للأمر صلة بتراكم الإرهاق، فسيُصاب اللاعبون في مايو وليس في سبتمبر أو أكتوبر، لا أن يتعرضوا فعلاً لـ10 إصابات بعد ستة مباريات. لا، هناك الكثير من المتخصصين في الطواقم الفنية ينبغي عليهم القيام بدورهم. يبدأ اللاعب في صالة الحديد، ثم يدخل إلى الملعب، ويعود ليؤدي حصة أخرى في صالة الحديد، ثم يذهب لإعادة التكيف… يتدرب اللاعب لمدة سبع ساعات. في كثير من الحالات من خلال الانقباضات العضلية – لأنها تضعك على الآلات والأدوات والمعدات التي لا تظهر في المباراة – وهي ليست انقباضات طبيعية للعبة، ولكنها انقباضات للاعب.

يحاولون موازنة ما هو غير متوازن بالطبيعة. أنا غير متوازن، أنت غير متوازن. إن محاولة مجانسة جسدي وبنية عضلاتي ومفاصلي تجعلني عرضة للإصابات. أنا ما أنا عليه ولعبت دائماً مراعياً عيوبي، لقد كيفت جسدي معها وألعب بها. كان لدى غارينشا ساق واحدة أقصر من الأخرى! حسناً، نعم، أؤمن بالعلم: هذه الاختلالات هي ما تلحق بك الإصابات. إذا ثبت أنها تتسبب بالإصابات فيجب أن يكون هناك برنامج وقائي، بالطبع، لكن تلك الحصص حصص قوة. من المثير للفضول أن بيدري تعرض لثلاث إصابات متتالية استمرت أكثر من أربعة أسابيع. وما يبعث على الاستغراب أنه تلقى الإصابات حينما كان يجري برنامج كمال الأجسام. إنهم يغيرون تكوينهم الطبيعي وبلا شك سيصابون. الآن هو مصاب ولم يصَبْ من قبل وكان يبلي حسناً كما هو حاله الآن. لا تبلي حسناً لأنك أقوى أو أسرع أو أضعف.

لعب بيدري وقتاً إضافياً و70 مباراة أو نحو ذلك دون حدوث أي شيء.

لم يحدث شيء، ولكن طالما كان عليه التحسن، فقد عرضوه للإصابة. لا أعرف ما الذي يجب تحسينه…

ما الذي يزعجك أيضاً في كرة القدم؟

وجود أشخاص يتعاملون مع حزمة من الأدوات. البيانات الضخمة أحدث البدع. الصيحة الجديدة الآن هي بيانات الدماغ، يريدون قياس ما يفكر به اللاعب. يا للعبث، حتى أني أعتقد أنها مزحة أحياناً. عُرضت علي إحدى المرات صورة للأهداف المتوقعة (xG) كان فيها لاعب ما في نقطة معينة في المنطقة، مواجهاً المرمى بهيئة معينة، منح احتمال تسجيله نسبة 33٪. وأقول: هل يستوي الأمر لو كنت أنا المسدد أم ميسي؟ هل من المحتمل أن ننجح بنفس القدر؟ علامَ يتوقف احتمال التسجيل؟ مرة أخرى، على الموهبة. مثال آخر، لاعب من ليغانيس في الدرجة الثانية، سيطر على الكرة في الدقيقة 93، وسدد الكرة بزاوية مستحيلة مانحةً الفوز لفريقه. إذا أخذنا في الاعتبار البيانات الضخمة، فلن يوصي الخبراء بالتسديد – “لا تسدد لأن الاحتمالية منخفضة جداً”. لقد فاوزا بالمباراة بهذه الطريقة. هذا أكثر ما يزعجني، فهم ينتزعون اللعبة عن طبيعتها من أجل الحداثة، بظهور علم لا يراعي خصائص اللعبة، وهي خصائص من يلعب اللعبة، الإنسان. عندئذٍ، يحولون اللعبة إلى شيء لا معنى له.

ما هي الأدوات الأخرى التي يجب أن يمتلكها المدرب؟ ما الذي يجب أن يدرسه كي يكون مستعداً؟

الأداة الأعظم هي النظر إلى اللاعب، لا شيء آخر. استيعاب أن الجوهر هو الإنسان، معرفة أننا كائنات اجتماعية، وأننا متواكلون، أي أننا نعتمد على الآخر والآخر يعتمد علينا، وبهذه هي الطريقة تتبلور الأنماط، أنماط التنظيم الشهيرة التي تتحدث عن الناس وتتعلق بتكوين العلاقات، التي تتعلق بكيف وأين نحن، وهذا ما يجعل نوعاً أو آخر من كرة القدم يرى النور. أعتقد أن التعلم الأهم والتحدي الأكبر للمدرب يكمن، من وجهة نظري، في تغيير النموذج الذي من خلاله يلاحظ ويبني المعرفة، والتي تنشأ من الملاحظة ومن تلك العمليات التأملية، الواعية وغير الواعية. هاتيك هي الأداء الرائعة. أنا مدرب مختلف، أنا شخص مختلف، مذ نصحني باكو سيرولو بقراءة كتب (فريتيوف) كابرا.

يجب أن يقرأ المدرب بغزارة برأيي، الكثير مما يتعلق بالنظم والتعقيد، فمن هناك سوف يفهم كيف أن كل شيء مترابط، كل شيء متصل، أننا جميعاً كائنات متواكلة، أننا كائنات اجتماعية، كيف يؤثر اللايقين بحق، كيف يؤثر على اللعبة. ذلك أن اللايقين لم يعد عاملاً يتعارض مع النظام، بل هو ما يسمح للنظام بالوجود، هي ما سيسمح لنا بالانفتاح على الجدة، وسيعلمنا أمراً مهماً جداً جداً: فحينما يكون في المباراة دائرة قصر short circuit، حينما لا يسمح لك الخصم بفعل ما كنت تخطط له، وبعيداً عن رؤيته مسلحاً، فهذا الفريق ليس خصمك فحسب، بل شريكك كذلك، لأنه يسمح لك بالتعبير عن نفسك بطريقة أخرى. أي أنه يغلق باباً بوجهك، لكنه يفتح واقعاً آخر. لنتعلم أن الخطأ هو مخاض المعرفة، [كشفٌ] عن إمكانيات تدخل جديدة. أعتقد بصدق أنه إذا حُق لي أن أوصي المدربين بشيء واحد، سواءً لمن بدأوا للتو أو للذين بدأوا منذ سنوات طويلة، فأنصح بالقراءة لمؤلفين مثل إدغار موران وفريتيوف كابرا، فقد كرسوا جزءاً معتبراً من حياتهم ليبينوا لنا كيف تبدو الكائنات الحية، كيف تبدو المجتمعات وهذا سيساعدنا على تغيير النموذج التقليدي لنموذج أقرب بكثير إلى واقع الحياة اليومية، وواقع كرة القدم واللاعبين.

رابط المقابلة:

https://tribuna.expresso.pt/expresso/2022-05-31-Ganhar-prestigio-e-subir-escaloes-atraves-dos-miudos-e-terrorismo-entrevista-a-Oscar-Cano-o-treinador-que-foi-falar-a-Alcochete-e-Seixal-656a5517

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: