اللعبة للاعبين… [مترجم]

إلى أي مدى يلعب أسلوب المدرب دوراً في تفسير النتيجة، بالمقارنة بموهبة اللاعبين وظروفهم؟

هذه ترجمة لمحاورة بين خافيير رولدان وأوسكار كانو في صحيفة بانينكا…

في سنهدرين الطائر الأبيض كنا نحوم كما المعتاد. نتبادل أطراف الحديث عن كرة القدم كما المعتاد. ماذا لو كانت فكرة الظهيرين الوهميين فكرة جهنمية، ماذا لو كانت مفتاح الفوز. ماذا لو أكد تشافي أن برشلونة لم يفز لأن الخطة كانت العثور على “الرجل الثالث في الداخل”. وبالطبع نعم، اتفقنا على أن عدم العثور على الرجل الثالث كان سبب الفشل. في وقت لاحق، واصلت حيرتي بمفردي، مستغرقاً في التفكير بالمعتاد. فاليوم يلعب كلوب ضد كونتي. ضد بعضهما البعض، وإن كانت في لعبة كرة القدم لا أمام رقعة شطرنج، حتى وإن علقا أحذيتيهما منذ ما يزيد عن عقدين.

ذاك ما كنت أفعله، وأقوله، وإذا بي -بين الصدفة والحظ- ادردش على انفراد مع أوسكار كانو. “انس كل ذلك، خافي. بما أن كرة القدم هي كرة القدم، فالمعادلة الوحيدة للفوز هي لاعبو كرة القدم الجيدون. الباقي ليس إلا شعراً”، هذا ما قال لي. ولمن لا يعلم، فأوسكار كانو مدرب محترف، وهو من الأشخاص الذين تمكنوا من تصعيد فريق غارق إلى كرة القدم الاحترافية وعندما يذكر هذا العمل الفذ فلا يتحدث أبداً عن “أنا”، بل “عنهم” دوماً. أيضاً يكتب أوسكار كانو كتباً عن كرة القدم وهو قادر على التجابه علناً مع النظريات التي دوّنها بنفسه في الكتب منذ زمن بعيد. هو شخص يغير رأيه ولا يستعسر عليه الاعتراف بذلك.

بهذا أحاول القول بأن أوسكار كانو رجل مثقف بقدر ما هو موثوق. لهذا أصغيت إليه عندما طلب مني أن أنسى البيانات الضخمة والمثلثات والمربعات “وأي شرح للعبة لا يشمل اللاعبين”. لكن بالنظر إلى أن أوسكار كانو -مع ذلك- ليس إلهاً، لا وليس غوارديولا ولا أي مرجع توحيدي آخر، فطريقه ليس كاملاً وقوله ليس نقياً (مزمور 18:30)، وجدت نفسي مضطراً إلى تحدي رؤيته للعبة.

لهذا الغرض حبست نفسي في غرفة لقراءة كتاب: معلمو كرة القدم maestros del fútbol. اكتشفت بين دفتيه أن كرويف مبتكر اللعب التموضعي والفائز بأول كأس أوروبية لبرشلونة، قال عام 1990 إن “التكتيكات والأساليب هراء: يجب أن تمتلك لاعبين أفضل من منافسك”. بهذا، ذكرني أوسكار أنه “عندما أدت الانتصارات إلى اعتقاد كرويف أن الأمور كانت تحدث بسببه وليس بسبب اللاعبين تخلص من لاودروب ورفاقه للعب بإسكايتش وسانتشيز خارا، قضى برشلونة سنوات شاحبة”. تصريحٌ شعرت بأنه فحواه يتطابق مع ما سمعته بالتحديد من ريكساتش ذات يوم. فعن أداء برشلونة خاصته قال المدرب الكتلوني ساخراً “مباراة مثالية. لكن الأهداف الثلاثة سجلها ريفالدو. افهمني، إذا لم يكن لديك ريفالدو، فلن تفوز. المدرب الذي لا يفهم ذلك ليس مدرباً جيداً”.

مع ذلك واصلت الغوص في الأرشيف وعلمت أيضاً أن مينوتي، رائد تقليص المساحات، والفائز بكأس العالم الأول للأرجنتين، أكد بأن “كل لغز اللعبة في لاعبي كرة القدم”. في تلك اللحظة، تذكرت ما أخبرني به المينوتيستا [أنخيل] كابـّا في محادثة سابقة أن سر نجاح ريال مدريد فالدانو -الفريق الذي خلَف برشلونة كرويف وريكساتش كبطل الدوري- كان أن يكون “فريقاً يعتمد على اللاعبين الرائعين، والتكتيك أمر الثانوي”. ومن ثم “في العام التالي، احتاج الفريق إلى تجديد نفسه بلاعبي كرة قدم جيدين جدد، لكن ذلك لم يكن ممكناً”. لهذا السبب حدثت الكارثة.

مدفوع بهذه التصريحات حول اللعبة المشروحة بواسطة اللاعبين، تذكرت عدداً من الأوصاف التي أطلقت على فرق رائعة في التاريخ: ريال مدريد “كينتا ديل بويتري”، “فريق الأحلام”، “سوبر ديبور”، “غالاكتيكوس”… تشير جميع تلك الأوصاف إلى اللاعبين أو الفريق، وليس للمدرب أو لدفتر ملاحظاته. وفي عام 2009 حقق برشلونة الثلاثية. قاد غوارديولا فريقاً لعب بروعة. وسرعان ما أوضح الرجل من سانتبيدور أمراً: “أملك لاعبين جيدين جداً، هذه هي الميزة. كرة القدم ملكهم. الميزة أنني اصطُفيت. ليس علينا المغالاة في تقدير المدرب“.

غوارديولا كان دقيقاً. رغم ذلك، فإننا نفضل تجاهل أعمق كلماته، فقد عمّدنا تلك المجموعة باسم ‘ فريق بيب Pep Team‘ وكتبنا أنهاراً من الحبر حول الطريقة التي تجعل برشلونة يلعب بهذه الطريقة، مع حقيقة أن تشافي وإينييستا وثلة من اللاعبين الاستثنائيين الآخرين طوروها كملحق، كإكسسوار. ظننا بعدئذٍ أن الانتصارات لها شجرة نسب بدأت مع كرويف وبلغت ذروتها مع تلميذه المفضل، فيكون ثانوياً ما كان أساسياً، ذلك أن هيمنة برشلونة الحقيقية جاءت من اجتماع كومان، لاودروب، ستويتشكوف أو غوارديولا نفسه على أرض الملعب.

اللعب التمركزي وما شاكل

وفي ذات السياق هناك كتاب اسمه “اللعب التمركزي لبرشلونة”، نُشر في عام 2012، تيمناً بالفريق الذي سيتوج بـ”السداسية” التاريخية. مؤلفه، أوسكار كانو بذاته، الذي بيّن لي أن “برشلونة لديه فكرة، ولا شك في ذلك. لكن برشلونة لا يدر ب اللاعبين حسب أسلوبه. الحمض النووي هو بيدري، الذي لم يتدرب حصة واحدة في لا ماسيا“. قبل أن يؤكد لي أنه لم يرَ في المجموعة التي كان يقودها غوارديولا “في مباراة 2-6 الشهيرة في البرنابيو أي نمط لعب، بل لاعبون يتراقصون وحسب”.

كعصب مركزي، يتجه الجميع إلى لاعبي كرة القدم، لا إلى الدراسة التحليلية أو التكتيكات. لذلك، في النهاية، يُشكك في بقية الحجج كطريقة تفسيرية.

يبدو أن المتابعين في العقد الماضي لم يكفوا عن التشويش على بعضهم البعض، بينما يبدو معظم الأبطال [المدربين] قد استوعبوا الأمر. ثمة حالات طفت على السطح مؤخراً، مثل قضية الهولندييْن كومان وتين هاغ، اللذان طلبا صفقات أفضل لتلبية احتياجات برشلونة واليونايتد. كذلك تشافي، الذي بحث عن الأسباب في اللاعبين وهو ما فعله حين سأل نصف أوروبا لقائمته، رغم أنه ألقى باللوم على الرجل الثالث الفاشل بعد الخسارة. لهذا السبب باع لابورتا -الشخص الواقعي الذي لن يجود الزمن بمثله- نصف النادي لتلبية متطلباته، كي لا يضطر عاجلاً أو آجلاً إلى إقالة الرجل الذي اختارته أبرشية الـ كوليس لحماية الأسلوب المعجزة.

بإمكان أي شخص في المعمورة أن يعتقد أنه خسر المباراة بسبب مفهوم لم يرى النور أو أن خروجه في المباراة التالية بالتعادل ارتبط بذلك المفهوم. حتى بعض المدربين “مريضو الغرور” قد يعتقدون بذلك، بحسب كانو. ولعمرك حينما تحل ساعة الحقيقة، فحتى المحترفون الذين لديهم خطاب مفاهيمي جذاب سيتوسلون باللاعبين، كالملحد الذي بدأ يكثر التسبيح حين رأى الموت.

أنتشيلوتي المنظم

في محاولة تبديد الضباب نهائياً، طمعت بتبصر أوسكار كانو. فسألته عن الدور الذي يلعبه لاعبو كرة القدم والمدربون حقاً. “نحن هامون، إلى الحد الذي يرغمنا على أن نعرف كيف نختار اللاعبين المناسبين. يكمن الفرق في قدرتك على الانتقاء [في الاستقطاب]، ولاحقاً في تسهيل علاقاتهم في الملعب. هكذا ستنبعث دائماً الاتصالات عالية الجودة التي تؤدي إلى الفوز بالمباريات. ثم القدرة على اكتشاف أفضل اللاعبين التكامليين هي عبقرية تكتيكية، لا في أمرهم بالاستلام بقدمهم البعيدة. زج باللاعبين المميزين خافي، والباقي ابتذال، كلمات فارغة لا تفسر واقع اللعبة. الباقي تظاهر“.

ها هنا قلت وداعاً لأوسكار، الذي صرح قبل الختام: “يقولون أن أنتشيلوتي ليس مدرباً عصرياً لأن فرقه لا تظهر أنماطاً واضحة، ولأنه مجرد منظم. أقول لهم عرفوني على أنني منظم جيد، وسأصبح مليونيراً بعشرة بالمائة من راتبه”. بعد ذلك حالاً، كـ كولي شغوف مثلي فتح التلفاز وبدأ في الاستمتاع بمباراة ريال مدريد الذي يتقدمه مودريتش وكروس وبنزيمه وفينيسيوس. مدريد الذي أطلقه أنتشيلوتي ليرقص لاعبيه على خشبة مسرح سانتياغو برنابيو. مدريد الذي فاز بالطبع.

El fútbol es de los jugadores

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: