ليفربول 4-1 نورويتش سيتي

رغم أن النتيجة توحي بأن الفوز كان مريحًا جدًّا لليفربول، وأن نورويتش لم يقدم شيئًا على الإطلاق، إلا أن الواقع غير ذلك. لا أقول بأن ليفربول وجد صعوبةً كبيرةً، أو خصمًا عنيدًا، ولكن مزيجًا من التوفيق مع فارق الجودة الواضح بين اللاعبين، جعل المباراة تحسم مبكّرًا، ورغم ذلك فنورويتش سيتي قدم بعض الملامح الجيدة والتي تجعله ربما لا يستحق أن يحصل على انطباع سيء فقط بسبب النتيجة.

بدأ كلوب بنفس التشكيلة التي لعبت أمام مانشستر سيتي، بتواجد أوريقي في الهجوم بدلًا من ماني -الذي دخل بديلًا-، واستمر بنفس الأسلوب والطريقة، حيث اعتمد 4-3-3 بثلاثيِّ وسطٍ يتكون من (فابينهو – فينالدوم – هندرسون).

في بداية المباراة كان من الواضح بأن نورويتش، وبقيادة مدربه فاركي، سيحاول اللعب بطريقةٍ جريئة عبر الاحتفاظ بالكرة والبناء من الخلف وخلق مساحات وفراغات قدر المستطاع بين لاعبي ليفربول، بل ومجابهة ضغطهم العالي، كل هذا في سبيل الوصول لمرمى أليسون وفرض أسلوبهم بالملعب. لكن لم تسِر الأمور كما يريد، فرغم أنهم قدموا أداءً جيِدًا وخلقوا عدة فرص، إلا أنهم لم يكونوا موفقين أبدًا في الطريقة التي استقبلوا بها الأهداف الثلاثة الأولى -والتي، بشكل أو بآخر، حسمت المباراة-.

ما كان مذهلًا من نورويتش ليس أنهم فقط حاولوا اللعب من الخلف ولكن جرّبوا أساليب مختلفة، كما أنهم حاولوا قلب الموازين على ليفربول واستغلال ضغطهم العالي لمصلحتهم، وأظهروا العديد من النقاط التي يجب على كلوب التنبه لها -وكلوب بالطبع أذكى من أن يغترّ بالنتيجة ويرتاح لها-.

هنا يبدأ لاعبو نورويتش الكرة بفكرة بسيطة تطبقها ربما أغلب الفرق التي تبني من الخلف وتعتمد على خطة 4-2-3-1 كما هي خطة نورويتش: الظهيران يتقدّمان للأمام / قلبي الدفاع يتحركان بجانب الحارس لإعطائه خيارات التمرير / أحد ثنائي الارتكاز يتراجع قليلًا للخلف ليوفر خيار التمرير الأمامي للحارس والآخر يكون أمامه متقدّمًا بمسافة بسيطة.

تعامل لاعبي ليفربول مع هذه الفكرة كان متوقّعًا وطبيعيًّا:

– ثلاثي الهجوم يتحرك بشكل جماعي تاركًا مسافةً بسيطة بين كل مهاجم وزميله >> يصعب التمرير للأمام بين المهاجمين.

– كما أن محمد صلاح وأوريجي (الأطراف) يقفان بقرب ثنائي قلب الدفاع (عن يمين ويسار الحارس) >> يصعب التمرير لهما وتبادل الكرة بالخلف.

– وبوقوفه بينهما، يمنع فيرمينو الحارس كرول من التمرير للاعب الارتكاز (تريبول) والذي كان يتراجع أكثر من زميله مكّلين للمساهمة أكثر في بناء اللعب من الخلف.

وبهذه الطريقة فإن كرول لم يجد أمامه إلا لعب كرة طويلة لتجاوز خط الضغط الأول من ليفربول (ثلاثي الهجوم)، مستهدفًا نفس الجهة التي ركز عليها فريقه أغلب فترات المباراة (الجهة اليسرى)، حيث كانت نصف اللعبات الهجومية عبر تلك الجهة، والنصف الآخر من العمق والجهة اليمنى.

تعامل ليفربول مع الكرات الطويلة بشكل جيّد كذلك. كان من المسموح لقلبي الدفاع التقدم للمنافسة على الكرة الهوائية (قوميز بهذه اللقطة تقدم مع صانع ألعاب نورويتش، ستيبيرمان)، في حين أن المدافع الآخر (فان دايك في هذه اللعبة) يتراجع ليغطي مكانه مراقبًا المهاجم ستيبيرمان، الذي يتقدم لاستغلال الفراغ واستقبال الكرة في حال نجح زميله في نقلها له.

هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية كان الفريق يكثف لاعبيه في جهة أو منطقة لعب الكرة، فنلحظ وجود حوالي 5 لاعبين (فان دايك، قوميز، آرنولد، فابينهو وهندرسون) في منطقة يمين الملعب تقريبًا (شاغلين الطرف الأيمن ومنطقة ما بين الطرف والعمق)، مع اقتراب فينالدوم من العمق لتوفير الحماية عند محاولة لاعبي نورويتش نقل اللعب للجهة الأخرى (وهذا لم يحدث كثيرًا) وكذلك نشاهد روبيرتسون قريبًا منهم بعض الشيء لخلق توازن في العمق (ولو أنه يظهر شبه معزول، وهي حالة كان يمكن للاعبي نورويتش تفعيلها واستغلالها أكثر، لكن هذا أيضًا لم يحدث).

رغم ذلك، كانت هناك عدة لعبات تنتهي بها الكرة الثانية -بعد الصراع الهوائي- لمصلحة لاعبي نورويتش، وهذا يعود لعدة أسباب:

– تقدم هندرسون وبدرجة أقل فينالدوم للضغط يخلق مساحة بينهم وبين فابينهو، يتمركز فيها لاعبو نورويتش لاستقبال الكرة.

– ثنائي ارتكاز نورويتش لا يتراجع كثيرًا للخلف لحظة بناء اللعب، مما يجعلهم أقرب وبحالة أفضل للانطلاق نحو تلك المساحات من لاعبي ليفربول.

– خط الهجوم يتمركز بمناطق متقدّمةٍ جدًّا مما يخلق أيضًا مساحة للاعبي نورويتش يمكنهم اللعب عليها والتحرك فيها.

وربما كان مدرب نورويتش، السيد فاركي، يستهدف هذه المساحات، عبر توجيه كرول للتأنّي في لعب الكرة الطويلة من الخلف، بمحاولة لجذب لاعبي هجوم و وسط ليفربول للتحرك للأمام والضغط أكثر، من أجل تفريغ هذه المساحات (بين لاعبي خط الوسط والهجوم) ليتمركز فيها لاعبوه.

ما ميّز لاعبي نورويتش لحظة حصولهم على الكرة في هذه المساحات والمناطق -في منتصف الملعب تقريبًا- هي الحركيّة العالية والرائعة بدون كرة للتمركز في أماكن تسمح لحامل الكرة بالتمرير وتسمح لمستقبلها باتخاذ القرار الجيد، فكانت أشبه بالمعركة بين لاعبي نورويتش بتبادل الكرات السريعة مع تحرك مستمر وتداور بين اللاعبين، وبين لاعبي ليفربول بالضغط العالي والتحرك نحو حامل الكرة لخنقه قدر المستطاع.

وفي حال نجاحهم في تجاوز ذلك الضغط فإن مشاكل ليفربول الحقيقية بالخط الخلفي كانت تظهر بسبب المسافة الكبيرة المكشوفة خلفه وبالتالي القدرة على نقل الكرة نحو تلك المناطق وعدم قدرة وسط ليفربول على التراجع للتغطية.

بعد مرور بعض الوقت بدأنا نشاهد حلولًا مختلفة من نورويتش لتجاوز ضغط ليفربول والوصول لمناطق منتصف الملعب حيث يمكن للاعبوه تبادل الكرات فيما بينهم، وهو أحد جوانب قوتهم كما رأينا، وهنا سأتحدث عن نقطتين لم يجد لها كلوب ولاعبوه حلًّا.

الأولى: في حال بناء الكرة يتراجع ثنائي الارتكاز (مكّلين وتريبول) لإعطاء حامل الكرة (عادةً كرول) خيار التمرير، وهذا ما يجعل فيرمينو في موقف ضعف، لأن الحالة أصبحت 2ضد1 وليست 1ضد1 حيث يمكنه بسهولة قطع خيار التمرير. شاهدنا هندرسون يتقدم ببعض الأحيان للمساهمة في الضغط وخنق أحد لاعبي الارتكاز لكن الحركية الجيدة والوعي الذي أظهره لاعبو ارتكاز نورويتش كان عاليًا وحدّ من تأثير هندرسون، كما أنه يدرك بأن تقدمه يعني خلق فراغ من خلفه وهو ما يعطي التفوق للاعبي نورويتش، وربما هذا هو سبب تقدمه المتأخر للضغط، حيث تكون الكرة تقريبًا في طريقها لتريبول الذي اتخذ قراره مسبقًا.

الثانية: لأن التركيز في بناء اللعب كان على الجهة اليسرى (لنورويتش) فقد كثّف لاعبو ليفربول حضورهم بتلك الناحية (اليمنى لهم)، وتسبّب هذا في خلق مساحة كبيرة في الجهة اليمنى مع وجود روبيرتسون لوحده معزولًا هناك. أحد المشاكل هي المسافة بينه وبين فينالدوم، فلم يكن من السهل على الهولندي التحرك مباشرة لحظة لعب الكرة وإعطاء الفريق التوازن المطلوب هناك.

ولو أن نورويتش يملك ظهيرًا أيمن أفضل من آرونز لربما كانت الأمور مختلفةً لهم -للأفضل طبعًا-.

من المؤسف حقيقةً أن المباراة تقريبًا حُسِمَت بعد تسجيل ليفربول لثلاثية في نصف ساعة تقريبًا. نورويتش أظهر أنه كفريق يملك القدرة على مقاومة خصم قوي وكبير كليفربول، بل والتلاعب بأفكاره وتجربة حلول متنوعة للوصول لمبتغاه بتهديد مرمى أليسون أو كشف المناطق الخطرة وتعريض دفاع يملك أسماءً بحجم وإمكانيات ما يملكه ليفربول لحالة شك.

وحتى لو رأينا الأهداف الثلاثة لليفربول، فلن نجد الكثير من الأخطاء من جانب نورويتش.

في الهدف الأول من السهل ملاحظة أن لاعبي نورويتش يقفون بشكل جيد: منع الاختراق من الطرف، ومنع إيصال الكرة للعمق (2ضد1 أمام أوريقي، كما أن لاعب الوسط المتراجع للمساندة يمكنه بسهولة التحول باتجاه روبيرتسون وضغطه لو عادت الكرة للخلف، ومن المستحيل تقريبًا إيصال الكرة لفينالدوم). كل الذي حصل هو سوء حظ، لعبة عرضية عادية وربما يائسة من أوريقي، أدخلها المدافع لمرماه.

وفي الهدف الثاني، ذات الأمر يتكرر: تفوق عددي للاعبي نورويتش في الطرف أمام آرنولد وصلاح، ورغم أنهم نجحوا في افتكاك الكرة مرتين، إلا أنهم لم يكونوا موفقين لعودة الكرة باتجاه لاعبي ليفربول في المرتين، ليأتي الهدف الثاني.

ويمكن القول بأن اللعبة التي أدّت للركلة الركنية التي جاء منها الهدف الثالث مشابهة بشكل لما حدث في الهدف الأول.

ختامًا، رغم أن نورويتش سيتي لا يملك أسماء كبيرة -لاعب الوسط الأيسر كانتويل يستحق المتابعة، وكذلك الارتكاز تريبول-، إلا أنه قدم أداءً جيِّدًا أمام ليفربول، لكن خذله فارق الجودة وسوء الطالع، وهذا ما يعني بأنه سيقدم كرة جذّابةً ويلعب بطريقة مفضّلة للمتابعين، لكن النتائج قد لا تكون على القدر المأمول.

الكاتب: @_Ahmed90_

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: