رجل لرجل

يعتبر نظام رجل لرجل أولى الأنظمة الدفاعية على المستوى الاستراتيجي، ولم تكن الفرق قبل ذلك تتخذ نظاماً أو كيفية معينة لصد الخصم وتقليل الخطر بغية حماية المرمى. إذ كانت الفرق تتخذ شكلاً عشوائياً ما بين مراقبة رجل لرجل بلا ضوابط، ووقوف في منطقة معينة بسذاجة أحياناً. جاء نظام الرجل لرجل عبر كارل رابان في ثلاثينيات القرن الماضي، ثم تطورت إلى أشكال مختلفة بوجود ليبرو “قشاش” كلاعب حر خلف خط الدفاع، وبمراقبة لصيقة للغاية بحيث يلاحق كل لاعبٍ لاعباً محدداً أينما ذهب، ذلك ما تلاشى فعلاً بداية التسعينات وانتهى بشكل نهائي نهاية التسعينات. وعلى أي حال فلم تنتهي المراقبة اللصيقة في كرة القدم، إذ أن هنالك أشكالاً أكثر مرونة وانسجاماً مع تطور اللعبة حالياً، كاعتماد الدفاع بخط واحد ومصيدة التسلل، مراقبة مؤقتة والأهم أن المدافع لن يلاحق لاعبه في كل مكان بل ضمن نطاق معقول سيجري الحديث عنه لاحقاً.

إن هنالك أنظمة دفاعية متعددة اليوم، أشكال مختلفة من المراقبة الفردية أو رجل لرجل، وأشكال مختلفة لدفاع المنطقة، وكل مدرب وكل ثقافة تتبنى حسب فهمها أحد الأشكال. ما سنتحدث عنه اليوم هو الشكل الحديث لنظام الرجل لرجل، أو كما يسميه الطليان أو الإسبان “أسلوب الثنائيات” وكذلك “الـ 1 ضد 1″، أين يسعى الفريق المطبق لهذا النظام في فرض مباراة بثنائيات بدنية في كافة أرجاء الملعب وجر الخصم إلى هذا النوع الغير محبذ من المباريات. رائد هذا النظام اليوم هو الهولندي لويس فان خال، تبناه واستقاه منه الأرجنتيني مارسيلو بييلسا، وكذلك الإيطالي جانبييرو غاسبيريني من بين آخرين.

في هذا النظام لا يراقب المدافع مهاجماً بعينه، بل يراقب أي مهاجم داخل منطقته -أيّا يكن هذا اللاعب- مراقبةً لصيقة وأكثر شدة إذ يلاحقه أحياناً خارج منطقته وطبعاً كما ذكرنا بشكل معقول. (ملاحظة: المدافع يُقصد به هنا أي لاعبٍ من الفريق الذي لا يمتلك الكرة، والعكس صحيح حيث نقصد بالمهاجم أي لاعب من الفريق المتملك للكرة).

نظام رقابة شرس لبيلباو بييلسا، نرى ذلك بجلاء.

يسعى الفريق المطبق لهذا النظام إلى الحد من قدرات الخصم فردياً، وبالطبع لا يطبق هذا النظام بشكل عشوائي وخصوصاً عند فان خال أو بييلسا وغاسبيريني، إذ أن هناك ضوابط محددة للمراقبة الجيدة؛ أبرزها أن يقف اللاعب وخصوصاً لاعبي خط الدفاع ما بين الخصم والمرمى، بالإضافة لأهمية عدم فقدان الرؤية للكرة أثناء مراقبة المهاجم وعليه يتمكن من قراءة اللعب وأخذ المبادرة -لا الانتظار- والاستباق anticipation والتنفيذ افتكاكاً أو اعتراضاً وهي المهارات الأساسية للمدافع وبالخصوص في نظام الرجل لرجل دون إغفال وضعية الجسد في كل حالة، ودون إهمال دراسة الخصم واتخاذ ما يترتب عليه وفقاً لخصائص المهاجم، فمثلاً لا يحبَّذ التصاق المدافع بمهاجمٍ سريع أو بشكل أدق أسرع من المدافع. وتكتيكياً ينبغي دوماً على المدافع الخروج وتعقب المهاجم عند التفوق العددي.

كالدارا يتعقب هيغواين، ونرى بوضوح اتسام هذا النظام بالشراسة والحدة في الالتحام، وكذلك صعوبة استلام الكرات بوضعية مريحة، دائماً سيحاول المدافع منعك من الدوران.
مجدداً يتعقب كالدارا هيغواين ويفوز بالكرة عبر الاستباق (أي اعتراض الكرة قبل وصولها للمستلم).
بالومينو قلب أتالانتا الأيسر يلاحق ديبالا حتى وسط الملعب، مايعرف بإيطاليا بكسر الخط (rombere la linea)، سنرى مازييلو يقوم بالتضييق على مانجوكيتش في 9:33.
المدافع يقوم بتعديل تموقعه ووضعية جسده، وخصوصاً عند الكرة المكشوفة (أي الكرة التي يمكن لحامل الكرة لعبها للأمام).
نرى بوضوح مراقبة رجل لرجل وعدم ترابط الخطوط نوعاً ما في الفريق، الخط الخلفي غالباً ما يحظى بزيادة عددية بلاعبٍ إضافي.
لا يتعقب أي لاعب خصمه المباشر بغية إبقاء ترابط ما بين الخطوط عرضياً وعمودياً في نظام المنطقة.

الفارق شكلياً بين دفاع المنطقة ورجل لرجل على المستوى الجماعي:
نرى في الصورة الأولى تناثر اللاعبين بأرجاء الملعب، فالفِرق التي تطبق المراقبة رجل لرجل تدافع في المساحات الواسعة، ويبقي اللاعب عينيه على المهاجم أولاً ثم الكرة وأخيراً الزميل، نرى كذلك أن المسافة بين خط الدفاع والوسط شاسعة ذلك عائد إلى أن الدفاع والضغط عملية فردية -بشكل أكبر- واللاعب يهتم بخصمه المباشر.
في الصورة الثانية نرى فريقاً يطبق دفاع منطقة حيث يتبين لنا أن اللاعبين يبقون أبصارهم نحو الكرة أولاً ويتحركون معها ويبقون مسافات فيما بينهم وبين زملائهم دون الالتصاق بمهاجم الخصم، وأخيراً يتم مراقبة المهاجم إذا كان متاحاً لحامل الكرة، البارز في هذه اللقطة تراصّ الفريق والدفاع ككتلة وبمسافات قصيرة ووضوح الخطوط علاوة على ذلك، بما أن عملية الضغط في دفاع المنطقة عملية جماعية فكما ذكرنا كل لاعب -بعد النظر- إلى الكرة سيرى زميله وسيقوم بتغطيته.

لا شك هناك تداخل ما بين الأنظمة بما أننا لا نستطيع التنبؤ بما سيحدث دوماً، فالمدافع الجيد يجب أن يجيد المراقبة والتمركز وقراءة اللعب، مضافاً على كل ذلك قدرته على الفوز في مواجهة الـ1 ضد 1، ولذلك نجد اليوم انتشاراً أكبر لأساليب مختلطة في الدفاع كأسلوب ماكس أليغري أو تلك المنتشرة في ألمانيا والبرتغال وإسبانيا وهولندا وبلجيكا والتي تولي لقراءة اللاعب للعب الاهتمام الأول، فتارة تجده يستخدم الاندفاع والقوة والعضلات المستحب في نظام الرجل لرجل أو العقل والحساب في حالات السيطرة على المنطقة والمساحة (دفاع المنطقة) وخصوصاً حالات النقص العددي. وأما المهارات الفردية للمدافع والمطلوبة في كل الأنظمة سنورد لها مقالاً منفصلاً.

الكاتب:  @salh91ftbl

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: