1 ضد 1 هجومياً: المراوغات

إن المواد الخام في المراوغة هي التمويه، الإنطلاقة، والوقفة، ومن ثَمَّ الغريزة والشجاعة هنّ الفيصل في المحاولة. والهدف من ذلك -أي المراوغة- هو إقصاء خصم: إذا نجح فآفاق من المساحات ستنفتح، وإذا أُسقط فسيتسبب بمخالفة، أو ببطاقة أو جزائية. أمّا إذا فقد الكرة فسيتلقى الشتائم والإهانات من الجماهير.

خورخي فالدانو

بيّنت دراسة رولاند لوي في كأس العالم 90 أن الفريق الذي يفوز أكثر في الثنائيات تصل نسبة فوزه في المباراة إلى 75%، ومع تطور اللعبة في وقتنا الحاضر تقلصت المساحات وبدأت الفرق تميل إلى اللعب الجماعي أكثر وإلى التعاون والتنظيم دفاعياً، فأغلب الفرق اليوم لا ترى في دفاع الرجل لرجل علاجاً خصوصاً وأنه سلاحٌ ذو حدين، ذلك ما أجبر الفرق المُهاجمة على اللعب بأقل لمساتٍ ممكنة، إلى الإحساس المكاني، إلى خلق زوايا التمرير وكسر خطوط الخصوم والتقدم بالهجمات عبر التمرير بشكل أكبر. ومع ذلك فأهمية الثنائيات لا زالت محدداً مفصلياً لحسم المباريات، إذ لا يزال بييلسا يؤمن بأن كرة القدم مسألة ثنائيات، فيمَ يرى ساكّي عكس ذلك في الهجوم أو في الدفاع وهذا جمال كرة القدم فلا ثوابت ولا حقيقة مطلقة فيها والكل محق طالما أجاد، غير أن كرة القدم شواشية وغير متنبئٍ بها وهي بذلك خليط من الحالات والوضعيات التي تتطلب حلولاً وقراءة لعب فردية وتعاون وانسجام جماعي آناءاً أخرْ.

حديثنا اليوم هو استكمالٌ للمقال السابق ولكن هذه المرة سنتحدث عن الـ 1 ضد 1 هجومياً والمراوغات فرعياً، يمكن أن نعرّف المراوغة في كرة القدم على أنها القدرة على إقصاء وتخطي مدافعٍ أو أكثر، والمراوغات في كرة القدم ولا شك حل تكتيكي ناجع ونافع إذا ما تمكن المهاجم من تخطي خصمه إذ سينفتح الملعب مشرعاً في حالات عديدة، ناهيك عن التفوق العددي المحتمل. تحاول فرق كثيرة خلق وضعيات 1 ضد 1 وخصوصاً تلك التي تتملّك اختصاصيين لهكذا حالة، إذ يشدد غوارديولا ويؤكد على لاعبيه الطرفيين على العزم في خوض هذا النزال “حتى لو لم يتمكن من النجاح” أمَـا وإن نجح فسنجني ثمار ذلك، إمّا في عرضية حاسمة أو بينية أو حتى هات وخذ وتوغل نحو المرمى. إذ يؤكد كينغسلي كومان أن بيب كان يسعى عبر تطريفه للأجنحة خلق ظروف مواتية لحالات 1 أمام 1، “هو مدربٌ لن يغضب منك إذا فقدت الكرة بعد موقف 1 ضد 1” يُكمل كومان “يشجعك بيب دائماً في تكرار المحاولة فيقول ’إذا لم تنجح لمرة أو اثنتان أو ثلاث، فستمر في الرابعة‘.”

وعلى المستوى التكتيكي ينبغي فقط على اللاعب أن ينتقي اللحظة الأنسب فيما يتعلق بالحال التي عليها فريقه، فلا يبدو ملائما أن يحاول اللاعب المراوغة وفريقه غير متحصن ولا يملك عدداً في الخلف، أو في محاولة المراوغة في مناطق منخفضة، أو أمام عدد من اللاعبين، عدا أنه أحياناً يضطر اللاعب محاولة تخطي خصمه في منطقة ضيقة وذلك لأنه لا يملك حلاً في هذه اللحظة إلا أن يراوغ ويعبر، كأن يستلم الكرة وهو مضغوط وبلا مسارات أو خيارات تمرير.

إن الحركة بالنسبة لحامل الكرة أكثر تعقيداً وبكثير من المدافع المنافس، فالمهاجم يحاول التحكم بحركته وحركة جسمٍ خارج عنه “الكرة” إذ بامتلاكه الكرة هو يبحث عن توافقية –أي توافق عصبي عضلي- في حركته واقتناص اللحظة المناسبة للتغلب على المدافع عبر توقعه للِحظة محاولة المدافع استخلاص الكرة، أو إلى أي جهةٍ سيذهب، أو التلاعب بخصمه بحيث يقرر المدافع بتسرع وعجلة. وعلى الرغم من ذلك يتحتم على المهاجم أن يحاول بتوجيهه الجسدي السليم أن يتسيّد الموقف مجبراً المدافع توخي الصبر عند المواجهة، فالمستحسن أن يفرد المهاجم صدره نحو المدافع لا الميل إلى جهة، هذا في حال وصول الكرة للمهاجم في التو وتضييق المدافع عليه. أمّا إذا كان هنالك متسعٌ من الوقت للمهاجم فالأفضل هو الانطلاق الفوري نحو المدافع وبالذات في المساحات الواسعة. ولا يمكن على العموم أن نختار الوضعية التي نريد دوماً وذلك لضيق المساحات والوقت، ذلك ما يقودنا إلى أنواع مختلفة من الحركات والخدع كدوران كرويف والذي يجد فيه المهاجم نفسه بصدر المدافع، فيُفترض أن يبعد المهاجم الكرة عن المدافع، فإن كان المدافع علي يميني فالأفضل أن أجعل الكرة على قدمي اليسرى وأقوم بحمايتها بقدمي اليمنى.

نتيجة بحث الصور عن ‪messi‬‏

تختلف أنواع المراوغات، أو بصورةٍ أدق يختلف “أنواع المراوغين” فمنهم من يبقي الكرة ملاصقة لقدميه كميسي وهازارد أو في السابق مارادونا ورونالدو ورونالدينيو وغيرهم وبقدرات رياضية وحركية وحركة قدمين footwork عظيمة. يتميز من ذُكر –كأمثلة لا للتعيين- بانخفاض ما يسمى في الميكانيكا الحيوية بمركز الجاذبية أو مركز الثقل center of gravity، وإذا كان مركز الجاذبية منخفضاً سيحظى الجسم بثباتٍ ورشاقة وقدرة على توفيق حركتين في آن وعند تغيير الوضعية الجسدية في نطاق ضيق والتلوي كالثعبان بين الدفاعات علاوة على تغيير السرعات. وعلى كلٍ فالانحناء وثني الركبتين قد يحسّن من توازن من لا يمتلك مركز ثقل منخفض.

وهناك نوعٌ آخر ألا وهي الأجنحة العصرية كآريين روبن من يتميز بسرعة وبقدرات فنية وحركية جيدة وكذلك في استخدام أجسادهم لتخطي المدافعين، وهناك نوعٌ مقارب لذلك كبـيـل وستيرلينغ أو صلاح، وهؤلاء يتميزون باللعب بالمساحات المفتوحة وتخطي المدافعين بالسرعة غالباً، فقدراتهم ليست كمن سبق ذكرهم إذ يميليون “أكثر” إلى إبعاد الكرة عن أقدامهم ومطاردتها؛ أي توسيع خطواتهم فيما يتعلق بخصائص الخطو stride characteristics. وبالطبع هذا الأمر نسبي فقد يفتتحون المساحات بنطاق ضيق ولكنها ليست وضعاً مريحاً لهم.

إن المراوغين المميزين الذين يسكرون الجماهير بمهاراتهم يحبطون مدربيهم بعدم انضباطهم التكتيكي، إنهم متفردون واستعراضيون نوعاً ما، ولهذا هم يفضّلون اللعب على الأطراف ليبتعدوا عن الفريق ويقتربوا من الجماهير.

خورخي فالدانو

لديك ثانية ونادراً أكثر بقليل فقط كي تقرر ما إذا كنت تريد المراوغة أو التسديد أو التمرير يميناً أو يساراً، والغريزة والموهبة هي التي تعطي الأوامر.

رونالدينيو

وهناك من يستخدم خدع وحركات بهلوانية، وهم –بالضرورة- من جنس النوع الأول ومنهم رونالدينيو ونيمار وغيرهم. فمن مراوح روبينيو scissor أو pedalada بالبرتغالية، أو رفرفة ريفيلينو flip flap أو لدى البرازيليين elástico، أو hocus pocus تادّي والتي أسماها الأخير أوريليو تيمناً بأوريليو أندريادزولي لحثه الجناح البرازيلي القيام بها (اللقطة الأخيرة)، إضافةً إلى ذلك “الكبري” أو روليت زيدان وإلى غير ذلك. وكل ما سبق يأتي نتيجةً لسوء التوقيت من المدافع لدى محاولته مد قدمه واستخلاص الكرة، أين يضاعف المراوغ لمساته فإذ به يستثير المدافع للقيام بتصرف، وكل ذلك مقرون بحسن تنبؤ المهاجم لحركة خصمه ومسار كرته الذي يصبو إليه وبالطبع قدرته في التحكم بالكرة.

كروكيتا لاودروب

النوع الأخير هم الأقل قدرات فيما يتعلق بالسرعة، كإينييستا وريكيملي أو لاودروب فيما سبق وهم لاعبون ذوي قدرة مبهرة في المراوغة في المساحة الضيقة وفي نطاق ضيق اعتماداً على براعتهم في التحكم بالكرة، وفي الوقوف والمماطلة واستدراج خصومهم وذلك لإقصائهم فوراً دون الدخول في سباقات وصراعات بدنية –قدر المستطاع- وذلك عائدٌ كما ذكرنا لسرعتهم، والأمر نسبي –من ناحية السرعة- إذ يتميزون بتخطي خصومهم استغلالاً لجمودهم، فمهما كنت سريعاً فمحددات عدة ستقصيك من اللعب -كمدافع- كوضعية الجسد أو سوء التقدير والتوقيت إذ تحتاج وقتاً لتدراك الموقف. إن هذا النوع من اللاعبين مشابه للنوع الأول في الخصائص الحركية؛ التوافقية وملازمة الكرة أقدامهم.

إن خصائص وقدرات وأساليب اللعب لدى اللاعبين تتباين والأمثلة الموردة كانت على سبيل التوضيح والتشبيه بشكل عام. وهذه المهارة يصعب تطويرها بشكل موجه من بين جميع المهارات الأخرى وخصوصاً النوع الذي يتحلى بالقدرات الفنية والتوافقية العالية وخصائصهم الجسدية المذكورة، بيد أن التعليم الضمني والزج باللاعبين الصغار في اللعب بمساحات ضيقة قد يطور ذلك نسبياً وخصوصاً أن الأطفال من 7 إلى 12 يتشكلون حركياً ويزدهر نموهم على الصعيد الحركي motor ability. وأخيراً إن هذا الفعل والتصرف ذو شدة عالية ومكلفٌ بدنياً، فكما يعرف فيزيولوجياً فهذه التصرفات تعتبر تصرفات/حركات انفجارية تستهلك طاقة فتؤدي بالتالي إلى ارتفاع مستوى حمض اللاكتيك في الدم كما يشير رايلي وبول [1].

لا يمكن بصراحة أن تعلم أحداً المراوغة، التوقيت شرط ومطلب لتخطي أحدهم، في تلك اللحظة التي تنال من خصمك، وعندما تتغلب عليه سينفتح سيناريو جديد أمامك… والمراوغة في جوهرها مكر وخدعة. فهي ليست بالسرعة ولا بالقوة، بل هي فن، والقدرة على المرواغة هي كل شيء في يومنا هذا. ولقد فتح أندريس (إينييستا) عيناي فيما يتعلق بأهمية قدرة المهاجم أو لاعب الوسط على المراوغة كذلك، فإذا راوغ وحمل الكرة نحو خصومه فكل شيء بعدئذٍ سيفيض ويتدفق، شهدت ذلك مع الوقت.

بيب غوارديولا

[1] https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/02701367.1984.10609363#.VO2toPmsUk1

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: