الفصل السادس
ثمة اعتقاد خاطئ آخر، ألا وهو الانتظار لفترة طويلة حتى يُدفع بالشباب للمشاركة أو يتم تصعيدهم. لا يحسُن بنا تقييم اللاعب بعمره، بل بجودته. إذا أظهر لاعبٌ بسن اثني عشر عاماً أنه كبير على فئته، وتفوقاً من الناحية الفنية على الكثير من أقرانه، فيجب تصعيده حتى يتمكن من التنافس مع الأكبر سناً ويتسنى له النمو كلاعب. لأن هذا سيجبره على بذل جهد أكبر، لا أن يقنع ويرضى بما يعرف القيام به، وفي نفس الوقت، سيكون بمثابة حافز. في النهاية، أنت تدفعه لمواصلة التعلم.
على سبيل المثال، ساعدني اللعب في الفئات الأعلى -على المستوى النظري- كثيراً. ففي الفريق الذي يتطابق معي عمرياً، أتناول الكرة وأبدأ بمراوغة لاعب، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، وحتى ستة منافسين. مدربي يقول لي بيأس: “يوهان، عليك أن تمرر الكرة أكثر.” وأنا، ولأنه بدا لي أن الأمور سالكة وتسير على ما يرام، لم أحفل به كثيراً. ولكن عندما قاموا بتصعيدي، وجدت أنه يمكنني مراوغة الأول والثاني، وأحياناً حتى الثالث، ولكن حين ظهر الرابع، بووم! تم ركلي عبر قشاش دفاع الفريق المنافس، ووجدت نفسي مستلقياً على الأرض وبلا كرة.
إن كل هذا يجبرك على تعلم إطلاق الكرة باكراً، ورؤية الملعب بشكل أسرع، وكذا اتخاذ قرارات أسرع وأكثر فاعلية.
اليوم، ولسوء الحظ، يبدو مستحيلاً لأي لاعب أن يشارك لأول مرة في كأس العالم وهو بعمر بيليه. مع ذلك، إذا كانت لديك هذه الجودة، فيجب أن تكون قادراً على استهلال مسيرتك واللعب أينما تريد. ولما لا تستطيع؟ أحياناً أشعر باليأس عندما أجد في الفئات التابعة للأندية المهمة لاعبون في سن الواحد وعشرون عاماً لم يظهروا لأول مرة بعد في الدرجة الأولى. بالطبع، هؤلاء اللاعبون الشباب الذين استهلوا مسيرتهم وتميزوا بجودتهم لا يمكن مطالبتهم بتحمل أعباء الفريق بين عشية وضحاها. دعهم يقدمون ما بوسعهم، سيكون لديهم الوقت ليصبحوا أبقاراً مقدسة. غير أنه عوضاً عن ذلك، ما قد يقدمه هؤلاء اللاعبون الصغار جداً للفريق سيصبح بمثابة صدمة للجميع.
أنا أحب هذه العفوية، تلك الطريقة في رؤية الأمور، تلك الطريقة للقيام بشيء جديد. وحينما ترى شيئاً ما لأول مرة في ملعب كرة قدم، فهذا لا يعني أنه شيء جيد ضرورةً، كما أنه ليس بالضرورة أمر سيء. بالنسبة لي، دائماً ما يسهم الصبي الصغير الجيد بشيءٍ ما للعبة، كما سيضيف لبقية اللاعبين أيضاً: العفوية والجرأة والخيال والثقة بالنفس … وبلا ريب عليه أن يتعلم، ولكن إذا لم تكن لديه خبرة، فكيف سيستطيع مواصلة التعلم؟ الشاب الذي يتمتع بجودة كافية يجب أن يُمنح فرصة الظهور ويمنح دقائقاً، وفي نفس الوقت ينبغي حماية ظهره.
دعونا نحلل على سبيل المثال حالة إيفان دي لا بينيا، اللاعب الذي اتُهمت إبان تدريبي لبرشلونة بحرمانه اللعب بشكلٍ كافٍ. ما أسميه بالبيئة في تلك الأوقات لم تترك له وقتاً للعثور على غطاء لظهره، وهو أمر من شأنه أن يمكنّه من تحفيز ذاته عندما لا يتسنى له القيام بالأفضل.
ذلك لأن ما يمتلكه إيفان استثنائي. ولهذا السبب على وجه التحديد، لا يمكن القيام بعشرة لمحات عبقرية في كل مباراة؛ دعونا لا ننسى أن الاستثنائية قادمة من الاستثناء <الاستثنائية حالة خاصة وليست حالة اعتياداية>. كان عليه أن يحمي نفسه من خلال تجويد وتحسين الجوانب الأخرى لديه بما يتماشى والخطوط العامة، وكذا على مستوى الخصال الأكثر تنافسية واعتيادية. فالبراعة التي يكتنزها ستظهر بالفعل مرة، مرتين أو ثلاث مرات في المباراة، وليس في كل مرة يلمس فيها الكرة. ولا مفر من أن تلعب مع الفريق ثلاث أو أربع حالات محددة تستطيع فيها اللجوء إلى العبقرية.
الأمر السخيف هو أن يطلب الجميع – الجمهور والصحافة والمدراء – من صبي صغير أن تكون كل كرة بين قدميه حاسمة، عبقرية، بلاستيكية، رائعة، ولا تُنسى، وعندها يتضح لي أنه سيرتكب أخطاء وتجاوزات، وبعد أن يخطؤوا سيشتكي الناس وسيمتعض الفريق. وقد يمل اللاعبون الآخرون الاكثار من اللمحات الفنية، فيقررون عدم مساعدته، وفي النهاية، يتوقف المدرب عن الاعتماد عليه ويجلسه بجانبه على مقاعد البدلاء أو قد لا يستدعيه، كما حدث -مع إيفان- للأسف. هذا أمر محزن للغاية، لأن الضغط النفسي في تلك الحالات يصبح مرتفعاً جداً وسيجد البعض في الإصابات مهرباً وغطاءً جيداً. وهذا محزن، لذا لا تقل لي أن إيفان لم يلعب عندما كنت مدرباً لبرشلونة. منطقياً، في سن الثامنة عشر لم يكن قادراً على لعب كل مباراة لكنه كان يستطيع أن يلعب نصفها وبهذا المعدل كان ينضج ببطء.
فيما يخص سافيولا، على سبيل المثال، كنا نعلم أن لديه جميع الصفات للنجاح ولكنه بعمر 19 عاماً فقط. ماذا يعني ذلك؟ حسناً، على الجميع أن يتعلم. إذا كنت لاعب كرة قدم عادة ستتعلم حتى سن 26 عاماً، أما هو فقد يكون جاهزاً وناضجاً في سن الـ 23. لكن تلك السنوات الأربع لم يسلبها أحد. وإذا خسر الفريق ثلاث مباريات متتالية وبدأت حالة الطوارئ ووضعوا عليهم المسؤولية الكاملة، فسيسهل إحراقهم وإفساد تقدمهم. ميزة سافيولا أنه بدا مستعداً للغاية؛ لقد ظهر لأول مرة في سنٍ صغيرة، في فريق من الدرجة الأولى وكان معتاداً على الضغط؛ هذا الأمر جاء في صالحه.
الفصل السابع
إن أول الجوانب التي تجعل ترجمة وتطبيق قيم ومُثل كرة القدم أمراً صعباً هي المسألة الاقتصادية. وفي هذا الشأن يخطئ الكثير من الناس. لأننا يجب أن نعي ماهية قائمة الفريق؟ هي غرفة الملابس، مكان يلتقي فيه خمسة وعشرون شخصاً، أحد عشر منهم سيلعب فقط، وربما عشرين عائلة بكل ظروفها المختلفة والمتنوعة تتكل وتعتمد.
بكلماتٍ أخرى، غرفة الملابس هي قنبلة موقوتة حقيقية. ومن الطبيعي أن يكون الحال كذلك، لأن العديد من الأشخاص المختلفين يجتمعون هناك، تكتل بشري كامل بحيث يعمل هذا الشيء – أي الفريق – وفي نفس الوقت، يثير الملايين من الناس. أيمكنك تصور أمر أكثر تعقيداً؟ لهذا السبب من المهم للغاية وضع معايير واضحة، تعليمات في الملعب، تعايش في غرفة الملابس، وقيم الكيان … ولهذا من الرائع أن تكون هناك. ففي بعض الأحيان أعتقد -ومن أعماقي- أن ضرب الكرة يكاد يكون المرحلة الأخيرة في هذه الرحلة. هناك أشياء كثيرة يجب تسويتها أولاً!
أعتقد أن هذا المكان تتشكل فيه الإخفاقات الشخصية والجماعية عبر سلوك الأشخاص الذين لم يشاركوا في ذلك من قبل – المدراء أو المدربين الذين ليس لديهم ما يكفي من الإحساس للتعامل مع كل تلك التفاصيل التي تبدو غير هامة ولكنها حاسمة في النهاية – هم فقط يفكرون في المال، يجدر بك التفكير في الأداء فقط. ولسوء الحظ، لا يفكر معظم قادة كرة القدم إلا في إطفاء استثماراتهم بدلاً من الاستهلاك على أساس الأداء، وهو أمر مختلف تماماً.
فلنضرب مثالاً، إذا كنت أنت وهو على نفس القدر من الجودة، ولكن كي أجلبه اُضطررت إلى دفع 3 مليار لناديه كشرط جزائي، أما أنت فقد أتيت بلا مقابل، وإذا غضضنا الطرف عن الجانب الاقتصادي البحت، فأنتما متساويان كروياً. أليس كذلك؟ ولذا لا يمكن أن يتقاضى ضعف ما تتقاضاه أنت، أو أن يكون، مثلاً، أفضل لاعبٍ في الفريق ليس الأعلى أجراً.
كل شيء معروف ومكشوف في غرفة الملابس: المشاكل العائلية – الأطفال والنساء، لا أدري ما هنالك أيضاً – المشاكل المالية – الأعمال التجارية والضرائب … – كل شيء معروف، ذلك لأنه مكان للتعايش بطبيعة الحال. لا يمكن أن يتقاضى البديل ثلاث مرات أكثر من الأساسي، ولا أن يتقاضى صبي يبلغ من العمر 20 عاماً أكثر من ذا الـ 27 عاماً، هذا مستحيل. يمكننا قبول بعض الاستثناءات دون شك، القليل من الاستثناءات ليس إلا، هذا وأن تكون تلك الاستثناءات مقبولة ومفهومة من قِبل المجموعة قبل أي شيء. لكن على الخطوط العريضة، لا يجب أن يكون هناك تفاوت ولا مساواة.
أمَا وإن كان أفضل منك، فلا مشكلة في أن يتقاضى أكثر منك، لأنك تعلم جيداً أنه أفضل. وعندما تدخل غرفة الملابس، أو تخرج للتدريب، فستعرف فوراً من هو الأفضل، وليس على أحدٍ أن يأخذ بيدك ويقول: “أترى؟ ذلك الرجل هناك، أفضل منك” لا داعي لذلك. وبعد أسبوعين من انضمامك للفريق، وحالما تخطو على أرض الملعب، فستعرف جيداً من هم الجيدون، ومن هم الأقل جودة، أو لنطلق عليهم السيئون. أتحدث عن الجودة في كل شيء، ليس فقط في التمرير أو تسجيل الأهداف، بل أيضاً في المسؤولية وكل تلك الأمور التي تشكل شخصية لاعب كرة القدم.
كمدرب، عندما تلاحظ أن كل هذه المكونات بدأت في الغليان في القِدر، حينها ستعلم أن غرفة الملابس ستنتهي بالانفجار. ولهذا يجدر بنا فرض نظام بسيط للغاية، وفي نفس الوقت صارم للغاية. أنت صغير وهو أكبر سناً؟ سيتقاضى أكثر منك. أنت تلعب أكثر منه؟ مع الجوائز والمكافآت يمكنك أن تكسب أكثر منه. لكن الراتب أو المقطوع، يجب أن يخضع لمعيار العمر. تعمل الجوائز وجدول المكافآت على تعويض التفاوتات المحتملة، ودوماً بتطبيق المعيار الأكثر عدلاً والذي نستطيع إيجاده في المجموعة: ألا وهو معيار الأداء.
أمّا إذا كان هو أفضل ولكنه أصيب لنصف موسم، وزُجّ بك إلى الميدان كي تخرج كستناء أحدهم من النار <أي تقدم يد المساعدة>، فيجب أن يُدفع لك ولن يغضب أبداً. وكما يتضح ويبدو، كل هذا يرسم طريقة أخرى لفهم اقتصاد النادي وميزانيته وسياسة الانتقال، وما إلى ذلك…
الفصل الثامن
لأسباب تتعلق بسيرتي الذاتية، وتطور مسيرتي كلاعب وبعد ذلك كمدرب، شَهِدت انطلاقة العديد من الأشياء وساهمت في إطلاق جوانب في هذه المهنة لم تكن موجودة في ذلك الحين. ليس الأمر وأني كنت ألهث خلف القيام بذلك ولكن الظروف حتّمت هذا الأمر. كلما طفت المشاكل على السطح -سواءً أردت أم لم أُرِد- اضطررت إلى اتخاذ موقف ومحاولة المشاركة في حلها. هذا ما حدث مع القضايا المالية والضرائب التي ندفعها نحن لاعبو كرة القدم في هولندا.
إحدى المشاكل التي واجهتنا هي دفعنا الكثير من الضرائب، كثير جداً برأيي. في ذلك الوقت، أي في أوائل السبعينيات، كنا ندفع حوالي 75 % من ضريبة الاستقطاع. كانت هذه في الواقع نسبة مبالغ فيها للتداول، إذ ستقبض لمدة ست أو سبع سنوات ولكنك لن تحتفظ إلا بالقليل أو بلا شيء. لذلك كنت مع اتحاد لاعبي كرة القدم الهولنديين المحترفين وتوصلنا إلى اتفاق مع السلطات بخصوص الضرائب.
كان الاتفاق ينص على أنه يمكن لجميع اللاعبين المحترفين وضع 30 % من دخلهم الإجمالي في صندوق تقاعد رسمي في ظل شروط صارمة للغاية. كان هذا الصندوق مسؤولاً عن إدارة أموالك. تضمّن الاتفاق التأمين على الحياة والتقاعد وما إلى ذلك. لم يكن الأمر يخصني، لأنني لعبت في الخارج لسنوات عديدة، ولكنه حل الإشكال بالنسبة لمن كانوا يلعبون في هولندا، حيث كان بمقدورهم المساهمة لمدة عشر سنوات في الصندوق، وفي نهاية حياتهم المهنية سيجدون مبلغاً معتبراً من المال أدى -علاوة على ذلك- إلى توليد فوائد مناسبة أضيفت إلى المبلغ المحفوظ.
حينما تنتهي مسيرتهم كلاعبين في سن 36، سيتأتى لهم -عبر الصندوق المذكور- تغطية السنوات التي تفصلهم عن سن التقاعد الرسمي، أي في سن 62. تَنعّم جميع لاعبي الفريق الأول من هذا النظام الذي سمح لهم بالتوفير والادخار، كان ذلك حلاً جيداً للجميع. جيد للمحترفين إذ لم يكونوا عرضة لاقتطاعٍ تعسفي، ومفيد للسلطات، بحيث يمكنهم المتاجرة والمداولة بمبلغ كبير من المال لسنوات عديدة.
فأنا، مثلاً، منذ أن بلغت الأربعين من عمري نلت حوالي خمسين ألف يورو سنوياً. في كثير من الأحيان يؤدي حل مثل هذا إلى تجنب المواقف التي -وللأسف- يضطر بعض لاعبي كرة القدم التعايش معها. فالمحترفون الذين تلقوا مشورة سيئة أو الذين بددوا رأس مالهم في سنوات الشباب بسبب تفكيرهم السيء أو لسوء حظهم، لم يتمتعوا بهذا الشكل الآمن من الدخل، والذي يأتي بسن يكون فيه اللاعب ناضجاً بما يكفي لتفادي ارتكاب بعض الأخطاء الاعتيادية بسن الشباب أو الضغط الذي يصحب شهرته كلاعب كرة القدم.
كان الهدف بسيطاً ومنطقياً للغاية: عندما تنتهي من دراستك في السادسة والثلاثين، تجد أن لديك فجوة عشر سنوات مقارنة بمن استطاع الدراسة والحصول على شهادة. تتيح لك هذه المساعدة أو هذا المعاش التقاعدي عيشاً كريماً وسيلبي الحد الأدنى من الاحتياجات، كما ستظهر في المجتمع وستستأنف مسيرتك الخاصة. الإنجليز هم الأوائل، وإذا لم تخني الذاكرة، فقد قمنا في هولندا بتكييف نظامهم مع واقعنا.
في إسبانيا، بذلنا الكثير من الجهود كي نطبق هذا النظام هنا أيضاً، حيث سيتمكن لاعبي كرة القدم الإسبان الاعتماد عليه، ولكن في الوقت الحالي يبقي كل شيء في الاجتماعات والمزيد من تلك الاجتماعات. أنا شخصياً ناقشت هذه المسألة مع الوزراء ووزراء الخارجية، ولكن حتى اللحظة لم يتقرر شيء بشأنها.
الفصل التاسع
حينما نتحدث عن تأثير البيئة، أو تأثير وسائل الإعلام على تقدم الفريق أو على عمل وسلوك المدراء والمسؤولين في غرف الملابس، فالمستحسن تقدير الكلمات. لا يمكن التعميم بالطبع، لكنه واقعٌ في كرة القدم ومحيطها -كما في جميع المجالات- أن ثمة كثير من الأشرار وقليلٌ من الأشخاص الطيبين.
وأنا أقصد الجميع: مدراء ومدربون ومديرون فنيون – أو أسمهم ما تشاء. هناك انتهازيون كثر. ولهذا السبب يستحيل التنظير حول مخطط تنظيمي مثالي بحيث يصلح لجميع الفرق، لأنه سيعتمد بدرجة كبيرة على جودة الأشخاص، أي الأشخاص الذين يشاركون ويتولون مقاليد منظمة معينة. أمر واحد واضح: بالمنطق؛ إذا كان الشخص الذي يقود النادي كسولاً، فإن الآخرين أكثر كسلاً.
وعلى أي حال، هناك حقائق موضوعية لا جدال فيها. على سبيل المثال، حيثئذ يوجد الكثير من المال، يوجد الكثير من الجشعين عادةً. إذا بدأنا بفرضية 20% /80%، <أو مبدأ باريتو> على سبيل المثال، قد نجد أن 80% من المناصب في منظمة ما يهيمن عليها الاستغلاليون، أو الأشخاص ذوو الشخصية الضعيفة، أو من يمكن التأثير عليهم، أو غير الأكفاء بشكل مباشر. وإذا سمحت 80% من الأندية لهؤلاء المدراء أو المديرين الفنيين بالقيام بأعمال الأندية، فنحن لا نبلي بلاءً حسناً، لأن هذه العمليات لا تهدف إلى مساعدة كرة القدم بل لدعم أعمال شخصية. لهذا السبب من المهم للغاية فرض قاعدة واضحة في غرفة الملابس وأيّا كان من يقود اللاعبين فهو من سيرسم الحدود.
بالنسبة لي، وعلى الرغم من أنني لا أعرفه شخصياً، إلا أنني أكنّ احتراماً كبيراً لباكو فلوريس، مدرب إسبانيول. يعجبني لأنه رجلُ نادٍ يمكنه في لحظة ما، قبول أشياء معينة بسبب ظروف محددة للغاية، لكنه بشكلٍ عام، يختط خطاً صحيحاً. وأنا أراه كشخص نزيه، يعمل والنادي بذهنه، ويقوم بما هو أفضل للكيان. قد يخطئ دون جدال، كأي شخص آخر، ولكن من المعروف سلفاً أن من يقوم بالأمور سيخطئ. وبالإضافة إلى ذلك، فهو يعمل لصالح اللاعب، والأهم من ذلك لصالح النادي.
إذا كان هنالك شخص مثل هذا أمام غرفة خلع الملابس، فلا أعتقد أن أي مسؤول سيحظى بفرصة الدخول وإحداث فوضى. يحدث التدخل لأن شخصاً ما تساهل مع ذلك. إذا اتخذت خطاً مستقيماً، فيمكنك السماح لنفسك بإجراء بعض الاستثناءات ومع ذلك ستبقى ثابتاً. سوف يفهمك أعضاء غرفة الملابس، حينما تتحدث مع كل أحدٍ منهم بالتأكيد.
وحين يكون للمسؤول تأثير كبير في النادي فذلك لأنك سمحت له بالدخول. أجمل شيء في غرفة الملابس هو أنك إذا دافعت عن معاييرك، فسيقبل الآخرون الخسارة. ما لا تحتمله وتتقبله غرفة تبديل الملابس تحت أي ظرف من الظروف هو الظلم كنظام أو الكيل بمكياليْن. ذلك اللاعب متأخر؟ سيدفع غرامة. ستسأل اللاعبين: في أي وقت تريدون أن تتدربوا؟ قرروا أن تكون الساعة 10:30 صباحاً؟ حسناً، عليهم الالتزام بالجدول. وإذا كان على الحافلة التحرك عند الساعة الواحدة، فلن تغادر في الساعة واحدة ودقيقتين.
وإذا تأخرت لأنك كنت تتمتع بمقابلة صحفية فستدفع غرامة، ويجمُل بك أن تفعل ذلك أمام الجميع، حتى يروا أنك، كمدرب، أول من يلتزم بالقواعد الخاصة التي قد قمت أنت بفرضها.
الفصل العاشر
عندما نتحدث عن التسلسل الهرمي، فإن الفريق الذي يمثل ذلك بوضوح بالنسبة لي هو بايرن ميونخ. كل شخص لديه خصاله الخاصة. غير أن هنالك رئيساً واحداً فقط ولن يقوم أي شخص بأي شيء دون موافقته، أو الأسوأ من ذلك، دون رأيه وقراره. يدير رومينيغه وهونيس الأعمال اليومية، فيما يقوم بيكنباور بالمصادقة أو تأييد أو تقييد المقترحات، فيوافق عليها أو لا يوافق عليها.
هذه هي الهرمية. أساساً، إدارة النادي بهذه الطريقة لا تعدو كونها أكثر من إعادة إنتاج الكيفية التي تعمل بها غرفة الملابس. ولا تقرر هذه السلطة في غرفة الملابس ما إذا كنت المراوغ الأفضل أو الشخص الذي يسجل أكبر عدد من الأهداف، بيد أن هذا يُعرف على الفور. ستشمها عندما تدخل غرفة خلع الملابس، وهكذا، لا توجد طريقة للتغلب عليها ولا أحد يعرف السبب. بالنسبة لي، غرفة تبديل الملابس أكثر أهمية من مجلس الإدارة.
الكابتن، على سبيل المثال، ينبغي أن يكون شخصاً يفكر بمصلحة غرفة الملابس، مدافعاً عمّا يجب عليه الدفاع عنه، وفقاً للفطرة السليمة والمصلحة الجماعية؛ كما يجب عليه أن يهاجم أيضاً ما يجب مهاجمته لنفس السبب. وإذا حدث وأخطأ المدرب، فيمكنك إخباره بطريقة صحيحة ومنطقية حُجَجية. ولكن إذا تم اتخاذ قرارٍ ما، فيجب أن يكون الكابتن أول من يهتم بتنفيذ الاتفاقية وبالتزام جميع اللاعبين بالقرارات.
أحياناً أعتقد أن هذا الأمر قد ضاع للأبد في ظل الوضع الراهن في غرف خلع الملابس، خاصة بوجود العديد من المصالح الشخصية التي تتعارض مع روح المجموعة.
أعتقد أن حقوق الصور واستغلالها يشكلان همّاً مشتركاً، رغم الفروق الكبيرة بالطبع بين الرقم 11 والرقم 12، إلا أن هذا الاختلاف يجب أن يبقى داخل المجموعة فقط. دعونا لا ننسى أن الجميع يعيش على النتائج وعلى أداء الفريق <أي على النتائج التي حققها الجميع وليس لاعب واحد>. ولهذا لا ينبغي التسامح مع الظلم، كأن يتقاضى المرء الكثير على حساب الآخرين أو يتقاضى الكثير مقابل عدم القيام بأي شيء، منتعماً بظلال هيبة الأشهر <أي أن يتقاضى لاعب قيمة عالية لأنه صديق للاعب الأشهر>.
ثمة ظلم وإجحاف آخر: الذهاب مع راعٍ آخر متجاهلاً الرعاة الداعمين للفريق، كما حدث عندما وافق لاعبو برشلونة على عمل برنامج في التلفزيون الإسباني في حين كان من يرعانا هي محطة TV3. حينئذٍ، اقترحت في غير اجتماع إنشاء شراكة بين اللاعبين والنادي لاستغلال حقوق الصور بشكل مشترك. في هذه الحالة، ما يجب وضعه بالاعتبار وما ينبغي تثمينه هو المجموعة ككل.
هذا ما فعلناه على الأقل في المنتخب الهولندي عام 1974. ظننا بأن المجموعة تستحق الكثير، ومن يلعب أكثر يتقاضى أعلى. وإذا لم تلعب كثيراً لأنك في الخارج ولم يكن بمقدورك تلبية نداء المنتخب الوطني، فستتقاضى أقل وهذا كل ما في الأمر. هذه هي الروح التي كانت بيننا ولم تكن لدينا أي ضغينة. أما هنا بالمقابل، ورغم مناقشة الجميع لم تكن هناك طريقة لتسوية الأمر، وكما كان متوقعاً، بدأت المشاكل بالنشوء. من المحبط ألا تستطيع السيطرة على المؤثرات الخارجية في بيئة كرة القدم أو حتى على تأثير الرعاة على حياتك المهنية. ذلك أن تحكمهم في المجموعة ليس مقبولاً. فيما يخصني مثلاً، فقد واجهت راعي المنتخب الوطني ولعبت بملابسي الخاصة لهذا السبب تحديداً.
بالطبع تلك أيامٌ قد خلت، فعام 1976 مختلف قليلاً عن اليوم. حقوق الصور واستغلالها كانت في بداياتها وقتئذٍ. يريد الراعي فرض شروطه، ومن وجهة نظرهم كان ذلك منطقياً، بيد أني أعتقد أنه لا يمكن لقضية خارجية أن تؤثر أبداً على الداخل. وحينما يحدث ذلك، فذلك حيادٌ عن جادة الصواب.
الفصل الحادي عشر
كل سنتين أو ثلاثة سنوات يُعاد فتح النقاش حول الحاجة لتغيير بعض قوانين كرة القدم أو بعضاً من مواد اللائحة الحالية، نتجادل في بعض قطاعات المهنة أو كرأي العام أو حتى المشجعين. فمثلاً، يعتبر البعض أن التسلل يضر بالفرق الهجومية والبعض الآخر، يؤيد القوانين المطبقة في كرة السلة، كقانون الـ backfield، أي عقوبة إعادة الكرة إلى نصف ملعبك.
لا اعتقد أن نظام التسلل عقبة أو أداة دفاعية أبداً. بل على العكس من ذلك، أنا أعتبره سلاحاً هجومياً، لسبب بسيط، لأنه يجبرك على الانضمام إلى صفوف الفريق وهذا يسهل حركة الكرة ويزيد من سرعة اللعب. فدون وجود نظام التسلل سيطوق المدافعون المكان حول حارس المرمى، متقوقعين في منطقة صغيرة، والشيء الوحيد الذي يمكنك القيام به هو التسديد من بعيد وما إلى ذلك. كما لا يمكنك صنع اللعب من خلال استغلال المساحات الخالية. إذ لا ينبغي أن ننسى أنّ كرة القدم تقوم بالتحديد على خلق المساحات وليس على تقليصها.
بدلاً من تغيير القوانين الحالية، قد يكون ضرورياً تطبيق لوائح تجيء في مصلحة كرة القدم وخصوصيتها أكثر من التطبيق الغير مرن للقانون، والذي يجعل سلطة الحكم هي السائدة. العنف، مطالبة الحكم ببطاقة للاعب المنافس، السقوط في منطقة الجزاء أو التظاهر والتمثيل على عرقلة غير موجودة لا يخدم كرة القدم نهائياً. في بعض الأحيان، لدى متابعتي للمباريات التي تُلعب في المنافسات الكبيرة وملاحظة سلوك بعض الحكام تترك انطباعاً لدي بأنهم يعاقبون على الاحتجاج أكثر من الضرب والعرقلة.
إن الاحتجاج برأيي جزء من كرة القدم طالما لم يخرج عن حدود الأدب. يجب على الحكام أن يفهموا أن كرة القدم أيضاً لعبة مشاعر وعواطف. وحينما توقفني الصافرة معلنة تسللاً لم يكن صحيحاً بوجهة نظري، فمن الطبيعي والمفهوم أن تكون ردة فعلي حادة واحتجاجية. نحن لم نخلق من حجر، اللعنة! هذه ليست إهانة، وإنما تعبير ومظهر من مظاهر العاطفة والانفعال. ما السيء في ذلك؟
ما لا يمكن التغاضي عنه أيضاً أن يقوم لاعب ما بتأجيج الناس ضد الحكم. ينبغي الدفاع عن الحكام ويجب ألا ننسى أبداً أن عملهم صعب للغاية. كبقية الرياضيين في الميدان، لدى الحكام أيضاً هامش خطأ يجب أن نقبله. وليس جديراً بالأهمية أن تكرر البرامج التلفزيونية الرياضية قرارات التحكيم إلى حد الغثيان. فلا يمكن أحياناً إزالة الشك حتى لو أعدت اللقطة 80 مرة بالحركة البطيئة، فستظل الآراء متباينة ومتناقضة.
أما المختصون المزعومون الذين يدلون بآرائهم في الحالات المتنازع عليها بعد المباراة وفي هدوء الاستوديو، فيتعين عليهم أن يحظوا بنفس الوقت الذي يحظى به الحكم في الملعب. أي؛ ثانية أو نصف ثانية، ومن نفس منظور وزاوية الحكم. أما فيما يتعلق باللعب العنيف، فأنا أؤيد معاقبة التدخلات الخطيرة وأحبذ التسامح مع الشد والدفع ولمسة اليد وهلم جراً من المخالفات هذه.
من بين الجدالات الكبرى الأخرى التي لا تكف عن ملاحقة كرة القدم هي الحاجة إلى مساعدة الحكام من خلال الأنظمة السمعية-البصرية، إعادة الحالات الشائكة، طاولات جانبية للتشاور حول الشكوك، كما هو معمول به في كرة السلة أو كرة القدم الأمريكية. لست مع إدخال هذا النهج. هو ابتكار ناجح في كرة القدم الأمريكية، ولكن دعونا لا ننسى أن هذه الرياضة لم تولد تلقائياً وعفوياً، إذ بوسعنا اعتبارها -بشكل أو بآخر- منتجاً مُختبرياً.
يبدو لي من الخاطئ إيقاف اللعب والانتظار لبرهة من أجل اتخاذ قرار. إذ لن تنتهي المباريات هكذا أبداً! كرة القدم، مثلما نلعبها، وكما اعتدنا على رؤيتها، هي لعبة مستمرة وسلسة وانسيابية. بينما كرة القدم الأمريكية بالمقابل، تبني مفهومها على متواليات من عشر، خمس عشرة ثانية من اللعب وباستيقافات مستمرة. كل الرياضات في الولايات المتحدة هكذا.
الاضطراب جزء من ثقافتهم. أما عقليتنا فمختلفة تماماً عن عقلية الأمريكيين الشماليين. نحن نحب الفوز. تبدو الخسارة مرعبة بالنسبة لنا، ولكن هناك تعادل، طوق نجاة وأهون الشرين، وهو في أعماقنا مفرٌ من الخسارة. الرياضة من أجل الرياضة لا تروق لنا كثيراً. لا أحد في الجمهور رياضيٌ صرفاً، فلن يصفق للخصم كما هو الحال في بعض البلدان. نصفق للخصم هنا؟ لم يسامحك حتى على مباراة لُعبت قبل ست سنوات! اللعب النظيف؟ لا تعرف الغالبية حتى تهجي الكلمة.
ما يجدر بنا تقديمه هو الإعداد الأفضل للحكام، ليس فيما يخص الجانب البدني بل بطريقة رصد وتحليل اللقطات من المباراة. بحيث يقومون بذلك بمعية الطاقم المساعد من زوايا مختلفة. بعدئذٍ سيتم إعدادهم وتوجيههم من قبل حكام آخرين. وسيكون من الجيد في عملية التعليم والإعداد أن يأخذوا في الاعتبار وجهة نظر اللاعب. عليهم أن يفهموا ما يشعر به اللاعب ويفكر فيه، ما هي إحباطاته وآماله … إذا استوعبت ذلك ووضعته في الحسبان، سيغدو إطلاق الصافرات أسهل بكثير. لأن النظام ليس حقيقة واحدة مطلقة وغير مرنة.
عليك أن تصفر ضمن إطار اللائحة، لا أن تطبقها بصرامة، أي عبر تقدير ظروف وملابسات كلا الطرفين وليس حرفياً. ما يبدو واضحاً لطرف لن يكون واضحاً جداً للطرف الآخر، لأن العديد من العوامل المتنوعة تتداخل فتجعل القاعدة العامة نسبية. أعلم، ولا غرو في ذلك، أنه يصعب بحال كتابة لائحة يمكن أن توفر كل ذلك. ولكن كلما تركت هامشاً أكبر لهذا النوع من التقدير، كلما كان أفضل لكرة القدم وعندئذٍ سنستفيد جميعاً.
من جهة أخرى، الأمر الأهم عند إطلاق الصافرة هو الصدق. حتى لو كنت لا توافق على قرار الحكم، وبغض النظر عن مدى خطأه، ومهما كان قراره فاضحاً، فنحن على دراية لما وراء صافرته. لا أعرف أي لاعب يغضب عندما يقترف الحكم خطئاً بغير قصد. لهذا السبب لا يغضب أحد. لكن الحكم الذي يجعل الفريقين ينظران إلى بعضهما البعض باستمرار لمعرفة أي منهما قد ارتكب خطئاً فتلك كارثة، لأنك لا تعرف ما الذي يجري.
لو لزمني التوضيح لحفيدي عن ماهية سلوك لاعب كرة القدم مع الحكام، في أي فئة، فسأقول له أن يكنّ للحكم الاحترام في جميع الأوقات. بذلك سيتفهم الأمر بشكل أفضل ولن تعميه عفوية اللحظة، سأقول له ألا ينسى أن الحكم يرتكب أخطاءً أقل من اللاعب، أؤكد لك ذلك. دعونا لا ننسى أن الأفضل في كرة القدم هو من يرتكب أخطاءً أقل.
تنويه: وجدت أن هذا الكتاب مترجم للعربية فعلاً ولذا ثقُل علي استكمال الباقي، لهذا أحيلكم إليه لقراءة ما تبقى منه للرابط هنا، فغاية القصد المساهمة لا المنافسة.
تنويه آخر: الكتاب كامل وليس ملخصاً كما يظن المترجم الكريم، إذ هو نتاج حوار دام لستة ساعات بين كرويف والكاتب سيرخي باميز.
اترك تعليقًا